قضايا و آراء
أي سياسة خارجية أمريكية لمرشح الحزب الجمهوري؟
تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يوليو ٢٠١٢
يقوم مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية ميت رومني حاليا بجولة تقوده إلى المملكة المتحدة وبولندا وإسرائيل على امتداد هذا الأسبوع سعيا منه إلى استقطاب المزيد من الأضواء الخارجية والتعريف بنفسه.
لقد تعهد ميت رومني أياما قبل مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية وبدء جولته بعدم توجيه أي انتقادات إلى الرئيس باراك أوباما أثناء وجوده في الخارج. لقد استعرض أوجه الخلاف بينه وبين الرئيس أوباما في الخطاب الذي ألقاه أمام قدامى المحاربين وفي الحوار الذي أجرته معه صحيفة "إسرائيل هايوم" الاسرائيلية التي يمتلكها شيلدون أدلسون المثير للجدل والمعروف بالترويج وتمويل الحملات المعادية للإسلام والمسلمين: الإسلاموفوبيا.
إذا كان ميت رومني قد سعى من خلال خطابه أمام قدامى المحاربين إلى إعطاء لمحة أولية عن السياسات التي ينوي انتهاجها فقد خيب الآمال، فقد كان خطابه طويلا، مملا وغلبت عليه الخطابة أكثر من أي شيء آخر، عدا افتقاره إلى التفاصيل اللازمة التي تقنع. لقد وجه انتقادات لاذعة إلى الرئيس باراك أوباما وزعم بأن "هذه الإدارة الحالية أضعفت القيادة الأمريكية والمؤسسة العسكرية وتسببت في أزمة أمنية قومية".. كما أنها "خانت الثقة التي وضعها الحلفاء في الولايات المتحدة الأمريكية".
لقد بدا ميت رومني أحيانا كأنه يقرأ أسطر وفقرات خطب الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في ذروة الحرب الباردة، فقد عبر عن اعتقاده أن "بلادنا هي أعظم قوة خيرة عرفها العالم على مر التاريخ..." وأنه يجب أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية "أقوى جيش في العالم"، كما عبر عن "قناعته الراسخة بأن هذا القرن يجب أن يكون أمريكيا" وتتولى فيه الولايات المتحدة الأمريكية "قيادة العالم الحر الذي يتولى بدوره قيادة العالم بأكمله".
إن مثل هذا الخطاب يبدو "ريجيني" الهوى، كما أنه تكرار للخطب التي كان يلقيها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. هذا الأمر ليس مستغربا لأن الكثير من مستشاري ميت رومني للشئون السياسية متخرجون في الحقيقة في "مشروع القرن الأمريكي الجديد"، أي تلك المجموعة التي تشكلت من مسئولين عملوا في إدارة رونالد ريجان قبل أن يتبوأوا مناصب حساسة في إدارة جورج بوش.
إن الخطاب السياسي الذي استخدمه جورج بوش يقوم على رؤية للعالم تقوم على التباين ما بين "الخير" و"الشر" وهي ذات الرؤية الثنائية التي يروج لها اليمين المسيحي الراديكالي في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما في حالة ميت رومني فإن هناك مزيجا محيرا ومزعجا ما بين عقيدة المحافظين الجدد المتشددة ونزعات التفوق والهيمنة العسكرية الأمريكية مع استمرار الترويج للفكرة التي يحملها "المورمن" التي يعتبرون من خلالها أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل الاستثناء في العالم. لم يكن أغلب المسيحيين يشاطرون جورج بوش رؤيته للمسيحية، كما أن أقلية فقط من المورمن يأخذون بمثل هذه الأفكار التي يروج لها الآن ميت رومني.
بعيدا عن الجانب الخطابي، فإنه لم يكن هناك ما يثير الاهتمام في استعراض ميت رومني لملامح سياسته الخارجية. لقد لاحظ الكثيرون أيضا أن العديد من الانتقادات الموجهة إلى إدارة الرئيس باراك أوباما كانت تفتقر إلى الوقائع التي تدعمها والتي لا تعدو أن تكون مجرد مزايدات سياسية.
على سبيل المثال، اتهم ميت رومني الرئيس أوباما بتقليص "فادح" و"تعسفي" في الميزانية العسكرية. لقد نسي ميت رومني أن هذا الخفض في الميزانية العسكرية لم يكن من صنع الرئيس أوباما وإما نتاج اتفاق حاصل في الكونجرس يفوض الرئيس أوباما القيام بمثل هذا الإجراء. لقد اتهم ميت رومني أيضا الرئيس باراك أوباما، وقال إن إدارته تسعى إلى إضعاف نظام رعاية قدامى المحاربين. هذه اتهامات واهية لا أساس لها من الصحة لأن الرئيس أوباما زاد في الحقيقة من مخصصات قدامى المحاربين.
لقد وجه ميت رومني أكثر انتقاداته حدة للطريقة التي تعامل بها الرئيس باراك أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي العنيد بنيامين نتنياهو. إن مثل هذه الانتقادات اللاذعة تجد آذانا صاغية لدى اليهود المسيحيين اليمينيين الموالين لحزب الليكود في الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنها انتقادات تتجاهل التاريخ والضرورة اللذين يحتمان على صناع السياسة الأمريكيين السعي دائما إلى إيجاد حل للصراع المتواصل بين العرب وإسرائيل، وهي المسألة التي تجاهلها ميت رومني بشكل كامل.
قد يكون ميت رومني أكثر تهديدا لنظام طهران أو أقل استعدادا للتفاوض مع إيران من إدارة الرئيس باراك أوباما، لكن لم يتضح ما إذا كان مرشح الحزب الجمهوري سيتعاطى مع البرنامج النووي الإيراني بطريقة أخرى غير الحرب.
لعل الأمر الذي يزعج أكثر من أي شيء آخر أن ميت رومني يثبت أنه على قطيعة مع العالم المتغير الذي ورثته إدارة باراك أوباما. لقد اعتبر ميت رومني أن عالم اليوم غدا مكانا "خطرا يدمر وتسوده الفوضى".
إن سياسة الإهمال واللامبالاة التي انتهجتها إدارة جورج بوش ؟ وليست إدارة باراك أوباما ؟ هي التي تسببت في هذه الحالة التي بات عليها العالم. حربان فاشلتان ومدمرتان، فشل في استخدام سلاح الدبلوماسية في وقت كانت الضرورة تحتم اللجوء إليه، نزعة التفرد والاعتماد على ممارسات تقوم على انتهاك سيادة القانون ولطخت سمعة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تضافرت كل تلك العوامل وغيرها فأفرزت مشاعر معادية للإدارة الأمريكية وتسببت في تعزيز تنامي الحركات والتيارات المتطرفة فضلا عن إضعاف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد استهلت إدارة الرئيس باراك أوباما عملها وهي عاقدة العزم على تغيير مجريات الأمور. لقد حققت إدارة أوباما بعض النجاحات من خلال إعادة بناء العلاقات مع الدول الأطلنطية الحليفة إضافة إلى البلدان الآسيوية والأمريكية اللاتينية. لكن عزيمة إدارة الرئيس أوباما ضعفت عندما تعرضت لبعض الضغوط الداخلية في بعض المناطق، وقد تجلى ذلك خاصة في منطقة الشرق الأوسط، ففي الكثير من الحالات فشلت هذه الإدارة في بناء التوافق اللازم حول بعض المقاربات البديلة المتعلقة بتحقيق السلام والتصدي للتطرف ودعم الإصلاحات الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.
في نهاية المطاف اضطرت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى الاعتماد على جملة من السياسات الموجودة التي تلقى الحد الأدنى من المعارضة.
رغم أن بعض الانتقادات الموجهة إلى إدارة الرئيس باراك أوباما تكون مبررة ولها ما يسوغها فإن اتجاه ميت رومني لتبني سياسات جورج بوش الفاشية تثير اليوم الكثير من المخاوف. هذا ما سمعناه من مرشح الحزب الجمهوري هذا الأسبوع قبل أن يبدأ جولته الخارجية.
لا شك أننا سنسمع منه المزيد لدى عودته إلى الديار.
* رئيس المعهد العربي الأمريكي.