الاسلامي
أخلاق منجية:
الصفح يقوي الأخوة ويسعد الأمة
تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يوليو ٢٠١٢
ما أحوجنا هذه أيام إلى خلُق الصفح حتى مع الد الأعداء كي يتعرفوا حلاوة هذا الدين العظيم! والصفح كما قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: إزالة أثر الذنب من النفس، تقول: صفحت عن فلان: إذا أعرضت عن ذنبه وقال الراغب: الصفح ترك الذنب.
والصفح أبلغ من العفو لأن الصفح تجاوز عن الذنب بالكلية واعتباره كأن لم يكن، أما العفو فإنه يقتضي اسقاط اللوم والذم فقط، ولا يقتضي حصول الثواب.
وورد الصفح في العديد من الآيات القرآنية قال تعالى: "ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم" النور (22).
وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم" التغابن (14).
وطلب الله سبحانه وتعالى الصفح عن المشركين فقال تعالى: "وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل" الحجر (85) وقال تعالى: "وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون × فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون" الزخرف (88) (89).
وحوت السنة النبوية المطهرة العديد من أحاديث الصفح وتطبيقاته، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما (ان هذه الآية التي في القرآن "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا" الاحزاب (45) قال في التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا (أي وعاء حصينا) للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل لست بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وقلوبا غلفا) رواه البخاري.
وعن أبي اسحاق قال: (سمعت أباعبدالله الجدلي يقول: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح) رواه أحمد وهو حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة ؟ رضي الله عنه ؟ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان الرجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا.
قال: فلقى الله فتجاوز عنه) رواه البخاري.
ومن الآثار والأقوال والافعال الواردة في الصفح: قال يوسف ؟ عليه السلام ؟ لاخوته لما حضرته الوفاة: يا اخوتاه، إني لم أنتصف لنفسي من مظلمة ظلمتها في الدنيا، وإني كنت أظهر الحسنة وأدفن السيئة، فذلك زادي في الدنيا، يا إخوتي شاركت آبائي في صالح أعمالهم فاشركوني في قبورهم.
وقال سيدنا معاوية ؟ رضي الله عنه ؟ عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والافضال.
وقال ابن تيمية ؟ رحمه الله ؟ ذكر الله تعالى في كتابه الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل. الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذى معه.
وعن علي بن أبي طالب ؟ رضي الله عنه ؟ في قوله تعالى: (فاصفح الصفح الجميل) قال: الرضا في غير عتاب.
وقال الطبري رحمه الله في جامع البيان عن قوله تعالى: (وإن تعفوا وتصفحوا) التغابن (14) قال: (وإن تعفوا أيها المؤمنون عما سلف منهم من صدهم إياكم عن الاسلام والهجرة، وتصفحوا لهم عن عقوبتكم إياهم على ذلك وتغفروا لهم غير ذلك من الذنوب). وهكذا يكون الصفح الجميل عن الأعداء وعن فعل الأقرباء والأصدقاء والزملاء والجيران وبذلك تقوى العلاقات وتتحقق فوائد الصفح الذي هو من مستلزمات الاحسان والاحسان أعلى درجات الايمان.
والصفح يقوي روابط التآخي بين أفراد المجتمع ويجعلهم متحابين متحدين، والأمة التي يسود فيها الصفح تكون أمة سعيدة في الدنيا والآخرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فعلينا بتعلم الصفح، وبتربية الصفح، ومناهج الصفح، وسلوك الصفح، لنعيش سعداء في الدنيا ويرحمنا الله تعالى في الآخرة.
المصدر: موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (مرجع سابق)، (ج 6)، (ص 2530).