الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب

كيف نفهم الفيتو الروسي والصيني؟

تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يوليو ٢٠١٢




استخدمت روسيا والصين الفيتو المزدوج ضد مشروع القرار الغربي الذي يهدد بفرض عقوبات على نظام دمشق، غداة التفجير الضخم الذي هز مبنى الأمن القومي وأدى إلى مصرع وزير الدفاع وبعض الأركان التي يرتكز عليها نظام بشار الأسد، هل يعني هذا الفيتو المزدوج أن سلطات الكرملين وبكين لاتزال تراهن على قدرة بشار الأسد على استعادة زمام الأمور وفرض الأمن والاستقرار في سوريا؟
لا شك أن هذا الفيتو المزدوج يعكس فهم روسيا والصين للصراع الراهن في سوريا وهو ما يتناقض مع القراءة الغربية لما يدور في سوريا الذي تتناقله وسائل الإعلام. لاتزال روسيا والصين تحتفظان بعلاقاتهما الدبلوماسية مع نظام دمشق وتكثفان من تعاونهما العسكري مع سوريا. لذلك فإنه يصعب أن تتخذ سلطات الكرملين وموسكو مثل هذا الموقف الراديكالي الداعم لنظام دمشق لو لم تكن مقتنعة بأن هذا النظام لايزال متجذرا في سوريا. ثم ان روسيا والصين لاتزالان تعتبران أن بشار الأسد ليس بذلك الشخص "المنبوذ" الذي يصوره الغرب.
لقد استخدمت روسيا والصين هذا الفيتو المزدوج رغم الدعوة الملحة التي أطلقها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون من أجل اتخاذ موقف قوي مما يجري في سوريا التي دخلت رسميا في حرب أهلية بعد التفجير الذي استهدف مبنى الأمن القومي وتسبب في قطع جزء مهم من رأس النظام الحاكم.
لقد استخدمت روسيا والصين حق الفيتو المزدوج مجددا رغم أن مشروع القرار الذي عرض على أنظار مجلس الأمن الدولي لم ينص على التطبيق الفوري أو على تطبيق أي عقوبات مشددة جديدة على نظام دمشق. ان مشروع القرار الجديد يدعو إلى تمديد مهمة المراقبين التابعين لمنظمة الأمم المتحدة والبدء بمرحلة انتقالية لا يشارك فيها الرئيس السوري الحالي بشار الأسد.
لم تستخدم روسيا والصين حق الفيتو مجددا من أجل الدفاع عن عائلة الأسد التي ظلت تحكم سوريا على مدى أربعة عقود. لقد استخدمتا الفيتو أساسا حتى تذكرا العالم بأن مرحلة الاستقطاب الثانية قد عادت مجددا لتسود العلاقات الدولية.
لقد استماتت روسيا في الدفاع عن آخر حليف لها في منطقة الشرق الأوسط وهي إنما تستميت بذلك في الدفاع عن مصالحها الحيوية الاستراتيجية الموروثة عن حقبة الاتحاد السوفيتي علما أن سلطات الكرملين تعتبر أنه لا يوجد في الوقت الراهن أي بديل مناسب لبشار الأسد ونظامه البعثي الحاكم.
لابد أن نعتبر أن هذا الخليط من التيارات والاتجاهات الإسلامية بقيادة السلفيين لا يمثل البديل المناسب للنظام البعثي الدكتاتوري الحالي في دمشق. لذلك لا يمكن أن نعتبر أن استبدال نظام اسلامي دكتاتوري بالنظام البعثي والعلماني الدكتاتوري يمثل تقدما حقيقيا تحققه سوريا المتطلعة للحرية والديمقراطية. فقد يتولى أحد السجناء السابقين في معتقل جوانتنامو منصب محافظ مدينة دمشق مثلما حدث في العاصمة الليبية طرابلس.
إن الروس والصينيين يعانون داخل بلدانهم هذه المشاكل نفسها التي يواجهها نظام بشار الأسد في سوريا أي وجود أقليات دينية معادية للنظام المركزي الحاكم سواء في موسكو أو في بكين. لابد أن نتذكر في هذا الصدد حالة مسلمي "الأوغور" في مقاطعة تركستان الغنية بالثروات النفطية أو قضية مقاطعة التيبت في الصين أو قضين الشيشانيين والداغستانيين في روسيا.
لا شك أن حكام موسكو وبكين يتساءلون عن مصيرهم مع المجتمع الدولي لو حدثت ثورات عرقية ودينية جديدة على الأراضي الروسية والصينية. لذلك يجب أن نفهم هذا الفيتو المزدوج الذي أثار السخط العالمي كمحاولة من سلطات موسكو وبكين لحماية نفسها من أي احتمال لتفجر الأوضاع على الأراضي الروسية والصينية. لا ننسى أن الحرب الثانية في الشيشان داخل الأراضي الروسية التي نشبت قبل أقل من عشر سنوات من الآن قد أودت بحياة أكثر من خمسين ألف شخص أي ثلاثة أضعاف عدد القتلى في سوريا حتى الآن.
هناك هدف مزدوج من وراء هذا الفيتو الروسي الصيني المزدوج وهو يتمثلان أولا في تذكير العالم بأن موسكو وبكين لهما كلمتهما المسموعة في الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، كما أن الصين وروسيا تريدان حماية نسيجهما من أي تكرار للتاريخ.. على أراضيهما هذه المرة.