مقالات
الإنسان الكادح
تاريخ النشر : الأربعاء ١ أغسطس ٢٠١٢
الغاية من خلق الإنسان هي العبادة لله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات/ 56).
والعبادة هنا ليست بمعناها الضيق المحصور على اركان الاسلام، وهي وان كانت هي الأركان التي لا يقوم بناء الاسلام إلاعليها، ولكنها ليست كل الإسلام بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان "متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) ومسلم برقم (16).
إذاَ، فالإسلام غير الاركان وان كانت الاركان جزءا مهما منه.
إذاَ، فالعبادة هي أداء الاركان، والعبادة هي العقيدة الصحيحة، والعبادة هي الالتزام بالشريعة، والعبادة هي التخلق بأخلاق الإسلام التي بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لإتمامها كما روى الامام مالك (رضي الله عنه) والاسلام هو المعاملات بشتى صورها، وجميع أشكالها، إذاَ فإذا كانت الصلاة والزكاة والحج والصوم والتوحيد هي أركان الإسلام، فإن الاسلام هو العقيدة، والشريعة والعبادة، والأخلاق، والمعاملات. فالإسلام يتسع ليشمل قول لا إله إلا الله وإماطة الأذى عن الطريق، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الايمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الايمان" متفق عليه. وفي ضوء هذا الفهم الذي نرجو ان يكون سديداً لمعنى العبادة الشامل نفهم قوله تعالى: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه". (الانشقاق/ 6).
والكدح كما ورد في مفردات الاصفهاني هو: السعي والعناء (ص 443).
والسعي يقتضي حركة في الأرض، والعناء يقتضي بذل الجهد للوصول إلى الغاية، ولقد كتب الله تعالى على الإنسان ان يظل كادحاً لبلوغ الغاية التي يريد، فإن كان هدفه عرضا زائلا في الدنيا كان سعيه وكدحه على قدر هذا العرض، وان كان هدفه أسمى من ذلك وهو الآخرة، وبلوغ ما يرجو الانسان من مرضاة الله تعالى، والفوز بجنته، والنجاة من ناره، فإن كدح الإنسان وسعيه وعناءه يتطلب منه عملاً شاقاً، وسعياً مستمراً.
فالإنسان منذ أن يخلق، وإلى ان يوارى جسده التراب هو في سعي وفي كدح مستمر، ولا يتوقف سعيه، ولا كدحه حتى يلاقي ربه سبحانه يوم القيامة، فحالة الكدح والسعي عنده مستمرة ولعله يبلغ ما يتمنى لأن الجنة سلعة غالية وثمنها غال، وتتطلب كدحاً مستمراً، وسعياً متواصلاً لبلوغها.
والكدح قد يكون في الخير وقد يكون في الشر، فمن وفقه الله تعالى لطاعته ويسر له سبل السلام فهو يبذل طاقاته، ويوظف إمكاناته في الخير، ولا يترك باباً من أبواب الخير إلا طرقه، ولا سبيلا من سبله إلا سلكها، فهو يكدح من أجل مزيد من الحسنات، ولا يحتقر شيئاً ولو كان يسيراً من الطاعة، فقد أخفى الله تعالى رضاه في طاعته، كما أخفى سخطه في معصيته، فلا تحتقر أي طاعة وأي معصية مهما صغرتا.
ثم أعلم أيها الكادح المثابر أن الله تعالى جعل في العطاء بلاء، كما جعل في البلاء عطاء، فهو سبحانه يعطيك ليبتليك، وهو عز وجل يبتليك ليعطيك، وكثيراً ما كان في المحنة منحة، وفي المنحة محنة قضايا لابد ان يسلم بها الانسان وهو كادح إلى ربه كدحاً فملاقيه في يوم يشيب لهوله الولدان، وتتطاير الصحف "فأما من ثقلت موازينه، فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية".