هوامش
الطائفية تعقد منعطفنا الحالي
تاريخ النشر : الأربعاء ١ أغسطس ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
ما قاله صاحب السمو الملكي ولي العهد خلال زيارته للمجالس الرمضانية لرئيسي مجلسي الشورى والنواب وعائلة الغتم من أن "تاريخنا الوطني شهد عددا من المنعطفات التي استطاعت البحرين الخروج منها بنجاح عبر التوافق بين الجميع وإيجاد القواسم المشتركة التي تحافظ على قوتنا من خصوصية مجتمعنا"، لا غبار عليه ولا تشكيك في صحته، فما يحدث في البحرين الآن الذي يعتبر امتدادا للأحداث المؤسفة التي عصفت بالبلاد يوم الرابع عشر من فبراير من العام الماضي، ليس هو المنعطف والمحطة الوحيدة الصعبة اللذان يتعرض لهما شعب البحرين في تاريخه، فهناك منعطفات ومحطات كثيرة استطاع شعبنا الخروج منها أكثر قوة وإصرارا على البناء والنهوض.
يتفق الجميع تقريبا على ان أحداث العام الماضي واستمرار تداعياتها المختلفة حتى هذه الأيام تمثل ربما أخطر منعطف تمر به بلادنا، وخاصة أن هذه الأحداث ضربت النسيج الوطني ضربا مبرحا ومؤثرا في تشابك خيوطه وشذبت العلاقات المجتمعية بين مختلف الفئات، وخاصة ما يمس علاقات أبناء الطائفتين الكريمتين، هذه العلاقات تأثرت كثيرا من تداعيات تلك الأحداث وبالتالي نرى استمرار الجهود لإصلاح العطب الذي أصابها، الأمر الذي من شأنه ألا يساعد على نجاح جهود إعادة اللحمة والنسيج الاجتماعيين إلى الوضع الذي كانا عليه قبل اندلاع الأزمة الأخيرة.
المنعطفات السابقة التي استطاع شعب البحرين الخروج منها بخسائر قليلة جدا بالمقارنة بالخسائر التي يتكبدها في الوقت الحاضر والناجمة عن تداعيات أحداث العام الماضي، ليست الخسائر البشرية فقط وإنما الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يحتم علينا جميعا رفع وتيرة الجهود الهادفة إلى ترميم التصدع الآخذ في التعمق في البنيان الوطني الذي من المؤكد أنه يشكل الهاجس الأكبر للحريصين على عدم الوصول إلى مرحلة نجد أنفسنا كشعبين يقيمان على أرض واحدة.
لا يساورنا الشك في إخلاص الجهود التي يدعمها ولي العهد من أجل اعادة اللحمة الوطنية والحفاظ على النسيج الوطني ومنع المزيد من تمزيقه، لكن هناك عقبات لا نريد أن نصفها بالكأداء، وإنما هي عقبات حقيقية تعترض طريق العمل على ترميم التصدعات والعودة بأوضاعنا إلى ما كانت عليه، فما يميز أوضاعنا بعد هذا المنعطف الذي لم نبلغ نهايته حتى الآن عن المنعطفات السابقة التي أشار إليها سمو ولي العهد، أن القوى الطائفية المتطرفة دخلت بقوة على خط الأزمة، وهي القوى التي لم يكن لها تأثير قوي يذكر خلال المنعطفات التاريخية الماضية.
القوى الطائفية المتطرفة هي وحدها المستفيدة من الأوضاع التي تمر بها البحرين في الوقت الحاضر، لهذا فإنها ستعمل قدر المستطاع على إفشال أي محاولة تستهدف ما تحدث عنه ولي العهد، أي "إعادة اللحمة والنسيج الاجتماعيين إلى الوضع الصحيح"، فالعودة إلى هذا الوضع الذي يتمناه كل مواطن مخلص لهذا الوطن، تعني سقوط المتاجرة في الوطنية وفي الانتماء والإخلاص والوفاء لهذه الأرض، فالقوى المستفيدة من الأوضاع الحالية هي التي تشكل العقبة الكأداء أمام كل الجهود وعدم والانتباه إلى دورها التخريبي من شأنه أن يطيل عمر الأزمة ويفاقم من حجم الأضرار التي أصابت العلاقات المجتمعية.
فهي المرة الأولى التي تتعرض فيها العلاقات المجتمعية لعملية تخريب صريح ومتعمد لم يراع الواقفون وراءها المخاطر المترتبة على هذا العبث والتداعيات السلبية لمثل هذه الأفعال، فالمسألة تجاوزت حدود الاختلاف في المواقف السياسية من هذه القضية أو تلك أو حتى مطالب الإصلاح التي ترفعها وتنادي بها مختلف الأطراف، بما في ذلك الطرف الرسمي الذي ما انفك يؤكد التزامه بالتطوير السياسي التدريجي في إطار المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، فلم يعد الحراك منحصرا في الاختلاف بين هذه الأطراف على طريقة وآلية وسقف الإصلاح، وإنما هناك عملية قضم تدريجي لبنيان العلاقات المجتمعية القائمة بين مكونات شعب البحرين.
فنجاح المساعي والجهود التي يتحدث عنها سمو ولي العهد مرهون قبل كل شيء بإغلاق خراطيم الزيت المتدفق على الجمر الطائفي، فإضفاء اللون الطائفي على الأحداث السياسية والأمنية التي تمر بها بلادنا، يشجع القوى الطائفية على التمادي في أعمال التخريب، وبالتالي لا يمكن لأي جهود أو مساع أن تحقق النجاح في ظل وجود أطراف تضع العراقيل أمام هذه الجهود وتصر على تعطيلها وتخريبها، فهناك مصالح أنانية، ذات أوجه وألوان مختلفة تسببت حتى الآن في إطالة أمد البقاء في المنعطف الأخير وعدم تمكن شعبنا من تجاوزه حتى الآن كما فعل خلال المنعطفات الأخرى التي مر بها.