الاسلامي
قصة الأمان الباقي للمسلمين في الدنيا
تاريخ النشر : الخميس ٢ أغسطس ٢٠١٢
يقول الله تعالى في سورة الأنفال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (33)، يخبر تعالى عن كفر قريش وعُتُوِّهم وتمرلادهم وعنادهم، ودعواهم الباطل عند سماع آياته حين تتلى عليهم أنهم يقولون: (قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا) وقد قيل: إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث فإنه - لعنه الله - كان قد ذهب إلى بلاد فارس، وتعلم من أخبار ملوكهم رُسْتم واسفنديار، ولما قدم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه الله، وهو يتلو على الناس القرآن، فكان إذا قام صلى الله عليه وسلم من مجلس، جلس فيه النضر فيحدثهم من أخبار أولئك، ثم يقول: بالله أيهما أحسن قصصا؟ أنا أو محمد؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسر، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب رقبته بين يديه، ففُعل ذلك، ولله الحمد.
ولقد بلغ من جهلهم وعُتُوِّهم وعنادهم وشدة تكذيبهم، أن استفتحوا على أنفسهم، واستعجلوا العذاب فقالوا: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) فنـزلت (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
يقول سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قد"، ويقولون: لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. ويقولون: غفرانك، غفرانك، فأنـزل الله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، قال ابن عباس: كان فيهم أمانان: النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار.
وقال ابن جرير: قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) فلما أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا: غفرانك اللهم، فأنـزل الله، عز وجل: (وَمَا كَانَ اللَّهُ (لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
لذلك قال ابن عباس: إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لايزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ماداما بين أظهرهم: فأمان قبضه الله إليه، وأمان بقي فيكم، قوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
وقال الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنـزل الله عليَّ أمانين لأمتي: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فإذا مضيت، تركتُ فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة".
وقد قال الشيطان من قبل: وعزتك يا رب، لا أبرح أغْوِي عبادك مادامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الرب: وعزتي وجلالي، لاأزال أغفر لهم ما استغفروني.
وعن فَضَالة بن عُبَيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله، عز وجل" يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (ما من يوم تطلع شمسه إلا وتنادي السماء وتقول: يا رب ائذن لي ان اسقط كسفا على ابن ادم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وتقول البحار: يا رب ائذن لي ان اغرق ابن ادم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وتقول الجبال: يا رب ائذن لي ان اطبق على ابن ادم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، فيقول الله تعالى: دعوهم دعوهم لو خلقتموهم لرحمتموهم، انهم عبادي فإن تابوا إلي فأنا حبيبهم وان لم يتو* كاتبة وباحثة في التراث الإسلامي