الاقتصاد البحريني عام ٢٠١٢ وتجدد الأمل
 تاريخ النشر : الأحد ١ يناير ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
يعود الاقتصاد البحريني في عام ٢٠١٢ لاستئناف معدلات نموه المرتفعة بعد عام قضاه في إجازة اضطرارية من التنمية تسببت فيها الاضطرابات السياسية التي تعرضت لها المملكة في شهري فبراير ومارس ٢٠١١ وطالت تداعياتها السلبية معظم نشاطات القطاعات الاقتصادية، وهي التداعيات التي صادفت أيضًا ما لحق أكبر الاقتصادات العالمية خاصة الاقتصادين الأمريكي والأوروبي من ركود يدور الكثير من علامات الاستفهام حول مداه الزمني.
ولعل تعافي الاقتصاد البحريني سريعًا قائم بالأساس على المرتكزات القوية التي كان هذا الاقتصاد قد أرساها منذ بدأت رحلة الصعود بعد الاستقلال وتعززت في العقد الأخير، كما أنها تقوم أيضًا على تعميق التعاون الخليجي الذي لم تبد تجلياته فقط في مبلغ المليار دولار سنويًا التي يساند بها مجلس التعاون الخليجي البحرين، ولكن في مدى التداخل الضخم بين الاقتصاد البحريني واقتصادات دول مجلس التعاون، لاسيما في مجالات الصناعة التحويلية والطاقة والخدمات.
وإذا كانت تقديرات نمو الاقتصاد البحريني لعام ٢٠١١ تقف به عند مستوى ٣%، فإن هذه التقديرات ترفع هذا المعدل إلى ما بين ٤,٥ و٥ لعام ٢٠١٢، ليحقق الاقتصاد معدل النمو الذي أنجزه في عام ٢٠١٠، ويعاود استئناف معدلات النمو العالية التي كان يحققها في سنوات الألفية قبيل الأزمة المالية العالمية، والتي كانت تدور حول ٧%، ومن المعلوم أن مراكمة معدلات النمو العالية السنة تلو الأخرى هي التي تمكن الاقتصاد من إحداث نقلة نوعية، غير أن هذا الأمل في معدل نمو مرتفع لعام ٢٠١٢ يظل مرهونًا باعتبارات الاستقرار السياسي الأمني، وهو الاستقرار الذي يتعزز بالإدراك الجمعي لكل المواطنين كونهم في قارب واحد، وعليهم التعاون معًا في تسييره في رحلة التقدم التي يستفيدون منها جميعًا بشكل متوازن.
ولكن على ماذا يقوم الأمل في ارتفاع معدل نمو الاقتصاد البحريني في عام ٢٠١٢؟ يأتي على رأس الأسباب السياسة المالية التي اتبعتها الحكومة، التي عبرت عنها في ميزانيتي ٢٠١١ و٢٠١٢، وهي السياسة المالية التوسعية التي قامت على زيادة الإنفاق الحكومي للمحافظة على مستوى الرفاهة الاجتماعية من جانب وتعزيز الإنفاق الاستثماري من جانب آخر، فلأول مرة في تاريخ المملكة يتجاوز حجم الإنفاق الحكومي ٣ مليارات دينار، حيث اتبعت الحكومة هذه السياسة رغم عدم قدرة الإيرادات المتوقعة على التغطية وما يؤدي إليه ذلك من عجز كبير في الموازنة يدفع إلى زيادة الدين العام، لكن هذه السياسة التوسعية تتوافق مع السياسات الاقتصادية الموصى باتباعها وقت الأزمات للتعويض عن التراجع الناشئ من إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار ولتنشيط هذا القطاع من جانب آخر، فهذه السياسة تحافظ على مستوى التشغيل وتحد من تنامي البطالة، كما أن الآثار الإيجابية المتوقعة على المدى المتوسط كفيلة بإصلاح أوضاع العجز وسداد المديونيات، ومن ثم العودة بالميزانية إلى حالة التوازن.
كما أنه يأتي من ضمن هذه الأسباب النجاح الذي أحرزه مشروع تطوير حقل البحرين، فعلى أبواب عام ٢٠١٢ أخذ هذا الحقل يعطي إنتاجًا يقدر بـ٤٥ ألف برميل يوميًا، أدى ذلك فضلاً على ارتفاع سعر النفط البحريني إلى مستوى ١٠٧ دولارات للبرميل في المتوسط إلى توقع أن يسهم هذا الوضع في خفض العجز المتوقع لميزانية ٢٠١١، ووفقًا لجدول الإنتاج المتوقع في اتفاقية التطوير المبرمة بين الحكومة البحرينية وشركتي أوكسيدنتال الأمريكية ومبادلة الإماراتية، التي صدر بها القانون رقم ٢٤ لسنة ٢٠٠٩ تصل تقديرات إنتاج حقل البحرين في عام ٢٠١٢ إلى ٦٢ ألف برميل يوميًا؛ أي إن الإنتاج المتوقع لعام ٢٠١٢ هو ضعف الرقم الذي كان عليه تقريبًا قبل بدء عملية التطوير.
وإذا استمرت أسعار النفط البحريني تدور حول السعر السابق الإشارة إليه، وهي قد تزيد على ذلك بسبب النشاط الاقتصادي المحموم في منطقة شرق وجنوب وجنوب شرقي آسيا، فإن هذا الأمر وحده كفيل بإعادة التوازن لموازنة ٢٠١٢، ويتعزز هذا الأمل ثانيًا من خلال الخطوة التي أنجزت في مجال تعظيم القيمة المضافة في الصناعة النفطية، وهي بدء إنتاج مصنع زيوت التشحيم في أكتوبر ٢٠١١، وهو الذي بدأ تصدير منتجاته في نوفمبر، ويعود على الحكومة البحرينية بـ٥٥% من عائده، وهذه التطورات في القطاع النفطي تدفع إلى مزيد من الاستثمار في هذا القطاع، وعلى الأخص في مشروع تطوير مصفاة البحرين، وهو المشروع الذي يرفع القدرة الإنتاجية لهذه المصفاة إلى ٤٥٠ ألف برميل يوميا، ولا شك أن تعميق التعاون البحريني السعودي سواء في استبدال وتوسيع قدرة خطوط الأنابيب أو في مشروع تطوير المصفاة يمثل ركنًا أساسيا في سرعة إنجاز هذا المشروع الاستراتيجي.
وإذا كانت إشكالية توفير الغاز الطبيعي قد مثلت عنق الزجاجة في مشروعات تطوير الصناعات التحويلية البحرينية، فإن إقدام المملكة على شراء سفينة نقل الغاز المسال «رؤية البحرين»، التي تعتبر الأحدث عالميًا على مستوى التقنيات والتجهيزات يسهم بدرجة كبيرة في سد فجوة الغاز الطبيعي البالغة ٤٠٠ - ٨٠٠ مليون قدم مكعب يوميا، ما من شأنه أن يجعل شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات تقوم بتنفيذ مشروع التوسع في إنتاج الأمونيا واليوريا بطاقة إضافية ١,٥ مليون طن سنويا، الذي تقدر كلفته نحو ١,٥٠ مليار دولار، كما يمكّن شركة «ألبا» من إضافة خط الصهر السادس بما يرفع إنتاج الشركة إلى ١,٢٥ مليون طن سنويًا ويجعلها الشركة الأولى خليجيًا في صناعة الألومنيوم، وتصبح واحدة من أكبر شركات إنتاج الألومنيوم عالميًا، ومع زيادة أسعار الألومنيوم في السوق العالمية فإن هذا التوسع الجديد سيرفد الاقتصاد البحريني بأكثر من ٥٠٠ مليون دولار سنويًا في شكل أرباح صافية لشركة «ألبا»، كما أن هذه التوسعات مضافًا إليها توسعات إنتاج الحديد والصلب ترفع نسبة إسهام الصناعات التحويلية في الاقتصاد البحريني إلى أكثر من ١٨% في مقابل ١٦% في عام .٢٠١١
ومع الاستقرارين السياسي والأمني ستعود الحركة على جسر الملك «فهد» إلى سابق عهدها وكذلك السفر عبر مطار البحرين الدولي (كانت حركة السفر في ٢٠١٠ أكثر من ١٢ مليون مسافر)، ويتم استئناف العمل في المشروعات العقارية السياحية الضخمة كمشروع خليج البحرين ومشروع رفاع فيوز، خاصة مع اختيار المنامة عاصمة للسياحة العربية في عام ٢٠١٣، كما تعود سياحة البواخر وسياحة المؤتمرات والسياحة الثقافية والترفيهية وسباق الفورمولا ١، وترتفع نسبة إشغالات الفنادق والحركة في المطاعم والمتاجر، بما يمكن قطاع السياحة من لعب دوره في زيادة فرص العمل أمام العمالة البحرينية، حيث يقدر المجلس الدولي للسفر والسياحة أنه مع حلول عام ٢٠٢٠ سوف يستوعب قطاع السفر والسياحة وظيفة من كل ثمانية وظائف في المملكة أو ما يعادل ١٢,٤%من القوة العاملة فيها.
كما أنه مع هذا الاستقرار ومع ما تضخه الحكومة من استثمارات يخرج القطاع العقاري من حالة الجمود التي يكابدها، مركزا هذه المرة في التوسع في القطاع السكني لتجسير فجوة الطلب/العرض البالغة نحو ٥٠ ألف وحدة سكنية، وأيضا في النشاط في المدن الصناعية لتلبية الطلب المتزايد على الإنشاءات في هذه المدن، ويستفيد تعافي هذا القطاع من الإنجاز الذي حققته صناعة الحديد في البحرين، كما يستفيد من انخفاض أسعار مواد البناء، وينشط هذا القطاع أيضًا مشروع جسر المحبة بين قطر والبحرين الذي تدفع استضافة قطر لكأس العالم الجهود إلى سرعة إنجازه.
لكل هذه الأسباب المنطقية سيشهد اقتصاد البحرين في عام ٢٠١٢ تجدد الأمل في استئناف رحلة صعوده، وإذا كان ركود الاقتصادات الغربية قد يكون له تداعيات سلبية هذا العام، فإن النشاط الاقتصادي في آسيا يعوض هذه التداعيات، غير أن هذا الأمل يظل مرتبطًا دائمًا بشيوع الاستقرار السياسي الأمني وهو الأمر الذي ننشده جميعا.
.