بانتظارِ النيروز الإيراني
 تاريخ النشر : الاثنين ٢ يناير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
لم تستطع القيادات الإيرانية عبر ما سمي الثورة أن تضبط تناقضاتها الداخلية، وأن تصل إلى طبقة حاكمة متعقلة، مرنة، وراحت تغرق في أزمة عميقة جارة الشعب الإيراني والمنطقة بأسرها إلى الحفرة الهائلة التي تهبط فيها.
المشروع(الروحاني) والخصام الجوهري مع الغرب والعودة لتراث السحر والغيبيات وإبقاء الجماهير في تخلفها الاجتماعي المصور والمبرر دينيا، والإطاحة بحشود هائلة من الحداثيين التقنيين والمعارضين الديمقراطيين، الذي يعني عمليا في الواقع اليومي الإيراني إنشاء سلطة دكتاتورية عسكرية، وحكم المدن بجيشٍ قروي متخلف، وهي صيغةٌ لا يمكنُ القبول بها عصرياً والبناء عليها، وعدم فتح النوافذ داخلها وتجاوزها عبر العودة لأسس الليبرالية والديمقراطية والعقلانية الإسلامية، والتسليم بحكم الشعب وقواه المدنية.
ولكن العسكر المتخلي عن الجيش النظامي والمتحول لمليشيا عسكرية مذهبية والمهيمن على المُلكيات العامة، لم يعد بإستطاعته التراجع عن الغوص في هذه السيطرة الرهيبة المضادة لتطور العصر الديمقراطي ولحقوق الجماهير المدنية والريفية الناقعة في المعاناة والحصار وشظف العيش.
الهتلرية التي بدت وامضةً في إرث الخمسينيات الإيراني المتحولة لعداء للغرب الديمقراطي في خاتمة المطاف، بعد أن لوحت بمعارضة الغرب الاستعماري والتي لم تكن حقيقية، والتحمت في نهوض الريف السياسي بالخرافات السياسية الدينية، وبالمنقذ الفرد، تحاول عبر ذلك كله الطيران في السماء السياسية نحو أساطير الماضي، لكنها عملياً تسقط في هوة الظلام العسكري وفي غياب العقلانية وانهيار الديمقراطية الموعودة.
لم تستطع حتى إنتاج هتلر واضح بل كونت مثالا على نحو هزلي مضطرب على المسرح، والصراخ القومي توارى عبر الطائفية، والتوسع الحربي والفتوح الموعودة تحولت إلى تغلغلٍ في الدول المجاورة، وغدت مواطئ أقدامها هي التنظيمات الطائفية تجيرُها في حراك متعدد عنفي تفكيكي لبلدان العرب بدرجةٍ أساسية.
لكنها تصطدم بنمو الديمقراطية العدو اللدود للفاشية القومية الطائفية، وإذ تتعثر خاصة في الداخل الإيراني بسبب ضرب الطبقات التحديثية، وعدم مقاومتها في العقود السابقة لأفكار السحر والغيبيات وخرق قوانين التطور الاجتماعي، مؤكدة مشكلات الدكتاتوريات العسكرية الفاشية في هيمنتها الحادة على الأنفاس الشعبية ومنعها أي بصيص من النقد والتغيير والتعقل.
فهي بهذا كله تضع بلدها على شفير الهاوية، ويغدو ما تركضُ من أجلهِ من قوة نووية هو القشة التي تقصم ظهرَ البعير العسكري، المتباهي بقدراته وجبروته، مثلما تباهى صدام حسين وحاول إغراق المنطقة في جنوحه السياسي وأحلامه التي تحولت إلى كوابيس فوق رأسه وأغرقتْ شعبه في أزمات لم تتوقف حتى الآن.
لم يعد المجانين المسلحون الخطرون قابلين للعيش على مسرح الحياة السلمي الحديث، وقد خاضت الجماهير العربية ملاحم بطولية للتخلص من هؤلاء الجبناء المنتفخين غروراً وراء متاريسهم، فإذا هي صرخة من المارد الشعبي وإذا بهم أثر بعد عين، وحطام بعد هيلمان، ومن يرد تمزيق بلاد العرب والمسلمين فسيرى نفسه يمزق بلده، والشعوب المخنوقة ستثور ومن لم يقبل من تعددية وتنوع للشعوب الإيرانية فسوف يصير انفجارا وصراعات تمزيقية.
إن من يصدر الجنون السياسي لا يمكن له إلا أن يستورده في خاتمة مطاف الغرور.
والمنقذ من هذا كله مجيء ربيع إيراني ونيروز فارسي، ونهوض للمظلومين والمسحوقين الإيرانيين على هذه الغطرسة العسكرية،
حين يجيء النيروز الإيراني سوف تنفتح دورب التعاون والوحدة بين الأمم الإسلامية، وتغدو ولاية الفقيه العقبة الكبيرة أمام نهوض هذه الأمم وحريتها وتقدمها، ومن دون هذا النيروز لا يمكن لشعوب عربية وكردية وفارسية أن تتوحد وطنياً وتتقارب مناطقياً، وبزوال هذه الدكتاتورية يلتقي جناحُ الأمة العربية الغربي جناحَ هذه الأمم الشرقي وتستعيدُ الحضاراتُ العربية والفارسية والتركية والكردية وغيرها تكوين أنفسها في عصر الحداثة والديمقراطية بأشكال سياسية واجتماعية تتجاوز سلبيات الماضي وتضيف الكثير إلى إنجازاته.
.