الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٣٧ - الاثنين ٢ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٨ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


كيف تستقيم الأمور وهم يكذبون؟ (١)





قواسم الكذب

من الثوابت التي يجب أن يتوافق عليها المجتمع هي القواسم المشتركة بين أفراده منها الدين ووحدة الوطن والمصير، فالهم واحد والتطلعات إلى الارتقاء بالمجتمع يجب أن ينبثقا من حب الوطن، والتعايش فيه بروح من الإخاء والتسامح من أجل رسم مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وتدعيم اللحمة الوطنية ونبذ ثقافة الكراهية والكيل بمكيالين، ولكن للأسف ما يحصل في هذا الوقت هو واقع جديد لم نألفه من قبل بعض من فئات المجتمع الذين يشتركون في أوجه متعددة من الكذب الذي يعتبر الآفة التي تفتك بمقدرات الشعوب، وغالبا ما يتسبب ذلك في إحداث تدهور واضح لكل المفاهيم والقيم الأخلاقية التي تعتبر احد أهم المقومات الأساسية التي يرتكز عليها أي مجتمع، فالكذب بكل أنواعه وأساليبه دائما ما يسهم في نشوء تنافر واضح بين أفراد المجتمع الواحد ويولد لديهم انطباعا سلبيا وشعورا من انعدام الثقة المصحوب بالحذر الذي يصعب من كيفية التعامل فيما بينهم، ويكون أحد العوامل المؤثرة في النسيج الاجتماعي، ويسهم ذلك في إيجاد واقع جديد يضع الحواجز والخطوط الحمراء مما يسهم في تدهور العلاقات الاجتماعية، وهذا سوف تكون له آثار خطرة في المستقبل.

إن مثل هذه التداعيات طبعا ناتجة عن عدة إفرازات تتعلق بالأزمة السياسية التي مرت بها المملكة، وما صاحبها من أحداث أثرت بصورة مباشرة في عدة جوانب من أهمها الاجتماعية والاقتصادية وكذلك التنموية، فالأسباب متنوعة ومتعددة والمتسببون في بروز هذه الأزمات كثيرون، وذلك راجع طبعا لمجمل الأخطاء والتخبطات التي تم ارتكابها من خلال بعض الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، بالاضافة إلى الحكومة التي كانت لا تمتلك ثقافة ادارة الأزمات، وكل جهة كانت لها أجندتها الخاصة التي تعبر عن مواقفها ورؤيتها السياسية، وغالبا لم تكن تتوافق مع مصالح الشعب، وتجدها بعيدة كل البعد عن طبيعة المشاكل التي يعانيها المجتمع، فالكذب كان هو السمة الأساسية والسائدة في تلك الأزمة التي أسهمت في نشوء حراك سياسي منفعل وغير متزن ان صح التعبير.

إذاً فإن المشكلة تكمن في امتهان الكذب بكل صوره وأشكاله في الممارسات والتطبيق، وبما أن الكذب يعتبر خصلة ذميمة وظاهرة اجتماعية انتشرت في المجتمعات التي تطبق النظم الديمقراطية بصورة خاطئة، من دون الوعي الكافي الذي يوفر الثبات في تبني المواقف والقرارات الصحيحة، فهذا النوع من الديمقراطية تم نقلها لمجتمعنا من خلال عملية الاستنساخ من عدة تجارب فاشلة كانت تطبق في تلك الدول التي سبقتنا في هذه البدعة التي يتاجرون فيها بطريقتهم، فهذه الدول لاتزال تتحكم في مقدرات الشعوب وتحاول بكل الطرائق التدخل في شئونها الداخلية وفرض توجهاتها وأساليبها التي تنسجم وتخدم مخططاتها «الدنيئة» بما يتوافق بالتالي مع مصالحهم، وتجدهم دائما ينعتون أنفسهم بالمنادين بالحقوق والحريصين على تطبيق العدالة والمساواة للشعوب، التي يصفونها بالمضطهدة والتي يمارس ضدها كل أنواع الظلم والتهميش، حسب تعبيرهم من قبل حكوماتهم، ومن واجبهم نصرتهم وتمكينهم من رفع هذا الظلم، وهذا يعتبر تحريضا مباشرا للشعوب على حكوماتهم.

طارق مطر



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة