الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٣٨ - الثلاثاء ٣ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٩ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


رب اجعل هذا البـلد آمنا





الأمن هو أساس الحياة، وأينما وجد الأمن وجدت الحياة، فبالأمن تتحقق جميع مقومات الحياة، لذا كان الأمن مطلب جميع الخلق، والانسان منذ القدم كان يبحث عن الأمن وذلك حتى يستقر وتطمئن نفسه ويهنأ عيشه. لذا كانت اول دعوة رسول الله ابراهيم عليه السلام لربه أن يحل على بلده نعمة الأمن فقال «رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات...» (البقرة).

اذاً الحياة بدون أمن لا تساوي شيئا، وأي بلد بدون أمن لا أحد يريد العيش فيه، لأنه اذا فقد الأمن لا يهنأ الانسان بمأكل ولا مشرب ولا نوم ولا حياة. والانسان الآمن عادة لا يحس بهذه النعمة الا اذا فقدها، فكما ان الصحة تاج على رؤوس الاصحاء لا يراه الا المرضى، كذلك الأمن تاج على رؤس الأمناء لا يراه الا الخائفون. لهذا نجد المولى عز وجل وفي معرض التذكير بالنعم، يذكر اهل قريش بهذه النعمة العظيمة فيقول «...الذي

أطعمهم مـــن جوع وآمنهم من خوف» (قريش).

ونحن في البحرين عشنا أياما عصيبة افتقد فيها الأمن وانتشر الهلع بين الناس وأصبح البعض لا يأمن على نفسه ولا على عياله ولا على ماله بسبب الاحداث الاخيرة، فحري بنا ان نتذكر نعمة الأمن ونتذكر فضل الله علينا الذي آمننا من خوف ونشكره على ان يديم نعمة الأمن على البلاد والعباد.

لقد عانى الجميع فقد الأمن في الأيام الماضية ولايزال البعض بسبب ما آلت اليه الأحداث، فالشعب البحريني لم يعتد مثل هذه الظروف المتوترة، ولم يجر بخلد أحد ان تنزلق بنا الفتنة الى هذا المنعطف الخطر، وكل ما نتمناه ان يعتبر الجميع مما حدث، وان يجلس الجميع إلى طاولة الحوار لنخرج من هذه الازمة الى بر الأمان.

اننا ومن باب الاعتبار والاتعاظ يجب ان نتذكر نعمة الأمن فهي من أجل النعم وأعظم المنن التي أسبغها الله علينا، فلا ينبغي ان نفرط فيها لأسباب

سياسية او اطماع شخصية او مصالح فئوية، ولنحذر من زج البلاد والعباد في آتون أزمات أمنية وفتن طائفية لا رابح لها الا بعض الجهات الخارجية التي لا تتمنى لنا ولبلادنا الا الشر والدمار والخراب.

فما بال أقوام يتلذذون بنشر الهلع والذعر بين المؤمنين المسالمين؟

وما بال أقوام يفرحون بأن يروا تهرق دماء المسلمين الآمنين؟ ألم يعلموا ان دم وعرض ومال المسلم حرام؟ ألم يعلموا ان من يوقظ الفتنة فهو ملعون؟ ألم يعلموا ان الشريعة الاسلامية حرصت

على حماية المجتمع المسلم وقررت الكليات الخمس حرصا على سلامة المجتمع وهي بالتسلسل:

١ - حماية الدين.

٢ - حماية النفس.

٣ - حماية العقل.

٤ - حماية النسل.

٥ - حماية المال؟

فمتى نعي خطر المخططات التي تخطط في الخارج وتتآمر على بلادنا وتضرب الوحدة الوطنية وتفرق بين المسلمين وتحل دماءهم واعراضهم واموالهم؟ متى نعي خط الازمــات والفتن ودورها في شق صف الامة التي تستقبل قبلة واحدة وتدين بدين واحد ونبي واحد؟

اننا نحمل جميع الاطراف المسئولية التاريخية لتدارك ومعالجة الامور التي عصفـت بالبلاد عصفا، ونطالب الجميع بالعمل كل حسب موقعه لتعود البحرين واحة أمن وسلام واطمئنان مثل ما كانت من قبل، فيكفي ما أصاب البلاد والعباد من هموم وخسائر وأرواح سندفع ثمنها عاجلا او آجلا. فيجب علينا ان نتذكر نعمة الله علينا بأن أسبغ علينا نعمة الأمن والاطمئنان، ولنعمل جاهدين للمحافظة على هذه النعمة العظيمة التي يفتقدها الكثير مــــن البشر، بسبب اطماع شخصية او تدخلات أجنبية او مصالح فئوية يعمل لها البعض على حساب أمته وعروبته ودنياه وآخرته.

ومن هذا المنبر وعبر هذا البيان رأيت ومن المسئولية ان أذكر ببعض المقومات التي تحقق الأمن في البلاد، وبدون تحقيقها لن تهنأ البلاد بجو من الأمن والاطمئنان وهي:

١- تحقيق الامن السياسي، بمعنى ان يسعى النظام لعمل إصلاحات سياسية في جو من الحرية والديمقراطية والمشاركة الشعبية، ومن جانب آخر اذا اجتمعت الامة على أمير يحرم الخروج عليه الا بشروط وضوابط تفاصيلها في كتب الفقه والسياسة، أما الدعوات التي تسمع هنا وهناك لإسقاط الانظمة فإن ضررها أكثر من نفعها. ان بعض الغيارى والصالحين قد يغلبهم ما يجدون من الحماسة لدينهم، والرغبة في الاصلاح، فيندفعون مع الاخلال بشروط التمكين، فيهلكون ويهلكون، وقد أشار الى هذا (ابن خلدون) في مقدمته، وهذا ما جرى مع بعض الثورات المعاصرة حاليا إذ دفع بعض الثورات بشعوبها الــــــــى التهلكة وبدل ان يحصلوا على حقوقهم، تفشت الفتن والعداوة وساد الشقاق والخلاف والنزاع على السلطة بين الاحزاب، كما يحدث الان في الدول التي تعيش الربيع العربي.

٢- تحقيق الأمن الاجتماعي، يجب على الدولة ان تتحمل هذا الملف وتتفرع منه عدة فروع اولها حلحلة مشكلة الاسكان، ومعالجة البطالة، ومحاربة الفساد بكل أنواعه، ومعالجة جميع الملفات المعيشية والتخفيف عن شعبها.

٣- تحقيق الأمن الاقتصادي، بمعنى تأمين الحياة الكريمة الطيبة للجميع بتوفير حاجاتـهم وقضاء مطالبهم وتحقيق رغباتهم وحفظ كراماتهم، بعيدا عن الضرائب والمكوس والاتاوات، فالأمن الاقتصادي ركن من أركان تحقيق الامن والرخاء للبلاد والعباد ، وعلى دولنا ان تهتم بذلك أيما إهتمام إذا كانت حريصة على بقاء أنظمتها.

٤- تحقيق الأمن الاخلاقي، بمعنى حماية المجتمع من كل الآفات وعلى رأسها المخدرات والمسكرات واوكار الداعرات، والاهتمام بتنمية قدرات الشباب وتوفير التعليم والبرامج والبيئة لصقل مواهبهم. فالمحافظة على الشباب من الآفات الاخلاقية والبدنية والسلوكية أمر واجب على الدول والانظمة، لأن الشباب هم عماد الاوطان وبهم تتقدم وترتقي وتتحضر والعكس صحيح.

٥- تحقيق الأمن المدني، وهذا أمر تحرص عليه جميع الدول بتدريب الجيوش ورجـــال الأمن لحفظ البلاد من أي خطر سواء كان داخليا او خارجيا.

ولا ننسى في هذه العجالة ان نذكر ان من اعظم الامور التي تحقق الأمن والاطمئنان في اي بلد او قطر هو السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية، إذ يذكر احد عمال الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، طلب تخصيص ميزانية لعمل سور حول المدينة يحصنها مـــن الاعداء فكتب اليه عمر «بل حصنها بالعدل ورممها بتنقية طرقها من الظلم».

وثمة واقعة أخرى كتب اليه والي خراسان فقال: «ان أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم، وانه لا يصلحهم الا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين ان يأذن بذلك»، فكتب اليـــه عمر «أما بعد، فقد بلغني كتابك بأن أهل خراسان ألا يصلحهم الا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فأبسط ذلك فيهم والسلام».

فما أحوجنا اليوم الى هذه السياسات الراقية لسياسة الشعوب الاسلامية التي بدأت تتوق الى تحقيق شيء من مطالبها، وأصبح كل قطر ينظر الى الآخر طمعا في نيل مطالبها؟ فعلى الانظمة ان تعتبر مما جرى وان تعمل جاهدة لحل مشاكل شعوبها وتوفير سبل الحياة الكريمة التي تتمناها الشعوب، فهذا كفيل بتوفير الاستقرار والامان والرخاء في ربوع الاوطان.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أمتنا وولاة أمورنا وأكفنا شرارنا ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، اللهم احفظ البلاد والعباد من شر الاشرار وكيد الفجار، واجعلنا في بلدنا آمنين مطمئنين سالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عارف يوسف الملا



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة