الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٣٩ - الأربعاء ٤ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


لبنان ومسألة توطين
اللاجئين الفلسطينيين





لو عاد سياسيون لبنانيون شاركوا في المسؤولية العامة إلى محاضر اجتماعات عقدوها مع ممثلي وسفراء دول أمريكا الشمالية وأوروبا لتذكروا دونما عناء كيف أن موضوع التوطين كان مطروحاً على طاولة المحادثات وبأشكال مختلفة في العديد من تلك الاجتماعات، وكيف أن إيحاءات واستفسارات أولئك السفراء والممثلين كانت واضحة وهادفة في جر الحديث للتسليم بحتمية التوطين خصوصاً ان حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، الذي كرسته قرارات الأمم المتحدة، لم يعد معترفاً به من قبل تلك الدول التي تعتبره ساقطاً بحكم الواقع الذي نشأ على الأرض وبحجة استحالة العودة إلى الوراء على الرغم من أن حق العودة هو في الأساس حق طبيعي وبدهي لا يحتمل الإنكار ولا يحتاج إلى اعتراف.

وليس سرا ان الدول التي تردد دائماً معزوفة التأييد لاستقلال لبنان وحريته وسيادته وتدعي دعم الجيش وتحرمه في آن من أبسط الأسلحة الفعالة، هي نفسها الدول التي تضغط على اللبنانيين للقبول بمشاريع التوطين التي تطرحها أحيانا بأشكال غامضة وأحيانا أخرى بأشكال ملتبسة لترويض الرأي العام وإضعاف مناعته تجاه هذا الخطر الماثل.

وإذا كان سياسيون لبنانيون، من هنا وهناك، يكتمون الامر حرصاً على ماء الوجوه وخوفاً على علاقاتهم السياسية الثمينة مع ممثلي هذه الدول، فلا يتكلمون عن الموضوع إلا مواربة، فإننا نلفت نظر القارئ إلى مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت عام ٢٠٠٢ والذي أطلق مبادرة السلام العربية بناء على اقتراح المملكة العربية السعودية.

ومن يراجع محاضر المؤتمرات والمحادثات التي جرت على هامشه يكتشف حجم التدخلات الأمريكية المباشرة على كل الأطراف العربية لتجاوز حق العودة وإغفاله في النص الرسمي لبيان القمة، وتشير الوقائع إلى انه لولا تصدي رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك العماد اميل لحود مدعوماً من الرئيس السوري بشار الاسد، لهذه المحاولة، التي شارك فيها مندوب رفيع المستوى، لتكرّس موقف عربي رسمي جامع يُنكر ويسقط حق العودة وما يستتبعه ذلك من إجازة مباشرة للكيان الصهيوني الغاصب للاستمرار في مشروعه الإجرامي توسعاً واستيطاناً وتهويداً وتهجيراً على حساب الشعب الفلسطيني، كما على حساب لبنان وكل بلد عربي حريص على نفسه وكرامته.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كانت الإدارة الأمريكية، ومن معها، لتجرؤ على مطالبة الأنظمة العربية بالتخلي عن حق العودة لولا اقتناعها بأن مطالبتها ستلقى قبولاً لدى الأنظمة التي لم تكذب خبراً فسارعت بأكثريتها إلى ملاقاة واشنطن في منتصف الطريق وضاعفت الضغوط على الرئيسين لحود والاسد من دون أن تفلح في زحزحتهما عن موقفهما.

لقد أدرك الرئيسان ان القرار المستبطن كان سيلحق أفدح الأضرار بلبنان والقضية الفلسطينية والدول العربية قاطبة، فلو صدر ذلك القرار لوجد لبنان نفسه آنذاك وجهاً لوجه مقابل الشعب الفلسطيني اللاجئ في لبنان ومقابل حقوقه المشروعة في العودة إلى وطنه.

ولو صدر ذلك القرار القاضي بإلغاء حق العودة وإسقاط حق المقاومة هل كان لبنان ليستطيع، في تلك الحال، اتخاذ موقف مخالف لالتزامه القومي والإنساني ومناقض لمصلحته الوطنية التي تحتم عليه دعم الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لاستعادة أرضه التي اغتصبها عدو يحتل أراضي لبنانية ولا يعترف بحق أو قانون أو شرعة؟

الضغوط كانت ثقيلة والمخاطر كانت جسيمة لكن القرار الصعب الذي اتخذه لبنان كان القرار الصحيح وقد وفر على البلد شر الاصطدام بأماني وحقوق الشعب الفلسطيني وجنب لبنان شر الانقسام على الذات.

إن تلك اللحظات الخطرة التي عاشها لبنان في مؤتمر القمة عام ٢٠٠٢ كانت فاصلة في العبور من مأزق التوطين إلى رحاب القرار الوطني الحر. صحيح أن لبنان وسوريا تحملتا ما لا يحتمل بسبب ذلك الموقف التاريخي المتمسك بحق العودة وحق المقاومة لكن مما لا شك فيه ان أي خسارة ترتبت على اتخاذ ذلك القرار التاريخي ما كانت لتقارن بالخسارة التي كانت سترهق كاهل لبنان فيما لو تم الإذعان لضغوط واشنطن ومن معها من دول أجنبية وأنظمة عربية.

واليوم إذ يواصل المشروع الصهيوني جرائمه في تهويد القدس ومصادرة الأراضي الفلسطينية وتهجير أهاليها بدعم كامل وغير مسبوق من الإدارة الأمريكية، وفي ظل سكوت معيب للدول الأوروبية والعربية فإن الضغوط على لبنان للقبول بالمشاريع المشبوهة لن تتوقف، ويبقى أن يعرف اللبنانيون من أين تأتي هذه الضغوط ليعرفوا أصدقاءهم الحقيقيين.

* وزير لبناني سابق



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة