الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٠ - الخميس ٥ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١١ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


نحو استراتيجية وطنية لتنمية الاقتصاد الأزرق (٣)





تنبع أهمية وضرورة صياغة استراتيجية وطنية لتنمية الاقتصاد الأزرق (اقتصاد البحر) من الدور الحيوي الفاعل الذي يمكن ان يؤديه في تحريك مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني وما يمكن ان يوفره من فرص عمل جديدة للموارد البشرية المواطنة، وهذا يتضح بصورة جلية حينما نستعرض ابرز مكونات الاقتصاد الأزرق، بدءا من مكونه الأول: الصناعات البحرية بنمطيها: الرئيسي صناعة السفن والهياكل العائمة التي تضم مجموعة من الصناعات التي تعنى بتصميم وإنشاء وبناء السفن، والقوارب، ومختلف أنماط الهياكل العائمة، والمحركات البحرية، وتصميم وإنشاء المنصات البحرية والجزر الصناعية ومحطات تزويد السفن بالوقود، ونمطها المكمل: صناعة إصلاح السفن وتقديم الخدمات اللوجستية لها التي تتضمن مجموعة من الأنشطة الصناعية المتعلقة بصيانة وترميم وتحديث وتجهيز السفن التي تتم في أحواض مجهزة لهذا الغرض وتتضمن تلك الأنشطة عمليات الصيانة والإصلاح الشاملة، والصيانة الدورية البسيطة، عمليات صيانة وإصلاح بدن السفينة، عمليات قطع وتشكيل ولحام واستبدال ألواح ومقاطع الصلب، عمليات الصبغ والدهان، صيانة وإصلاح المحركات، صيانة وإصلاح المعدات والأجهزة الهيدروليكية، صيانة وإصلاح الأجهزة الكهربائية، صيانة وإصلاح إجهزة الملاحة وأجهزة الاتصالات، صيانة وإصلاح منظومات السفينة، وغيرها من خدمات الصيانة التي يتطلبها دوام عمل السفن والتي تتم في أحواض خاصة كالحوض الجاف للشركة العربية لبناء وإصلاح السفن (أسري) بمملكة البحرين. هذه الصناعات تعد من الصناعات ذات التقنية المتوسطة والعمالة الكثيفة التي تلعب فيها الخبرات المتراكمة دورا حيويا وبإمكان الدول النامية أن تنافس الدول المتقدمة في أغلب مكوناتها. وقد تمكنت مملكة البحرين من تحقيق نجاحات ملموسة فيها خلال السنوات الماضية اعتمادا على جهود بعض الشركات الخاصة وبدعم محدود من الوزارات والإدارات العامة ذات العلاقة، فتمكنت من تصدير نحو ٧٠% من منتجاتها إلى السوق الخليجية والسوق الأمريكية والسوق الهندية وغيرها من الأسواق الخارجية. فكيف سيكون الحال لو أن دعمها يتم في إطار استراتيجية شاملة تغطي مختلف الجوانب المنظمة والمحفزة لانطلاقتها؟ أما المكون الثاني والمتمثل بالموانئ والمراسي البحرية فهو يمثل أحد أهم أعمدة البنية التحتية للاقتصاد المعاصر وإطلالتها على التجارة والنقل البحري العالمي وأحد عناصر المنافسة والجذب بين اقتصادات الدول ولاسيما أن نسبة لا تقل عن (٩٠%) من حجم التجارة المنقولة عالميا تتم عن طريق النقل البحري لذا فإن الدول ذات الإطلالات البحرية تسعى دائما لبناء وتطوير خدمات الموانئ حتى تتمكن من جذب خطوط الملاحة العالمية بما يجعل موانئها موانئ محورية ومراكز إقليمية للنقل البحري ليتم عبرها إنجاز عمليات نقل البضائع إلى الموانئ الفرعية في الدول المجاورة. ليس هذا فقط بل ان للموانئ أدوارا اقتصادية أخرى فهي محطات لوجستية ومناطق استثمارية خاصة مولدة لأنشطة ذات قيمة مضافة عالية إضافة إلى أنها توفر نشاطات أخرى مثل التوكيلات البحرية، شركات التأمين، تموين السفن.

وقد أدركت مملكة البحرين أهمية ذلك ووفرت لموانئها الكثير من متطلبات المنافسة الإقليمية، ومنها خصخصة الكثير من نشاطات الموانئ، إلا أن عجلة التطور العالمي والإقليمي سريعة بالدرجة التي تجعل من ربح سباق المنافسة وجني ثماره أمرا غير سهل المنال مما يتطلب استراتيجية تنموية ديناميكية تشابكية بأبعاد متعددة تحقق سبقا متناميا وتعبر عن إصرار على مواصلة التطوير المتصاعد في مساراته ونسقه، بغية المزيد من التحسين لتقنية خدماتها ونيل رضا الوكلاء البحريين والسفن التي ترد إليها والمتعاملين معها من خلال ضمان تقديم أفضل الخدمات وأسرعها وأقلها كلفة.

أما المكون الثالث للاقتصاد الأزرق فهو قطاع الصيد البحري الذي يعد في اغلب البلدان الساحلية قطاعا مؤثرا من قطاعاتها الاقتصادية إذ يسهم بنسبة كبيرة في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي كما هو الحال في تونس، حيث تمتلك أكثر من (١٦٥) وحدة صناعية، منها (٥٦ سفينة تجميد) لتصنيع المنتجات البحرية، فيما يبلغ انتاجها السنوي (١٠٠) ألف طن. وبالنسبة إلى مملكة البحرين يمكن لقطاع الصيد البحري ان يكون قطاعا مهما وواعدا للامن الغذائي الوطني ولاسيما ان المملكة تمتلك ارثا حافزا في هذا القطاع، فقد كان الصيد البحري احد القطاعات الاقتصادية المهمة في مرحلة ما قبل ارتفاع اسعار النفط قبيل منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي وقد آن الاوان لتفعيله من جديد وحل تعقيداته ومواجهة مشكلاته وبناء قاعدة متينة لانطلاقته من خلال استراتيجية وطنية شاملة لتنمية الاقتصاد الأزرق.

كما يعد المكون الرابع المتمثل بالسياحة البحرية بأنماطها الرئيسية الثلاثة: السياحة الشاطئية، وسياحة الرياضات البحرية، وسياحة البواخر، من أهم أنواع السياحة في البلدان البحرية، اذ انها تمثل نسبة (٨٠) من الطلب السياحي الدولي، ومصدراً مهماً للدخل القومي. وبالرغم من اهتمام وزارة الثقافة في المملكة بالقطاع السياحي فإن السياحة البحرية قرينة بتنمية الاقتصاد البحري بكل مكوناته، تتنامى فاعليتها عبر الاستراتيجية التنموية الشاملة لهذا القطاع. ولا يخفى اهمية المكون الخامس للاقتصاد الأزرق والمتمثل بقطاع النقل والتجارة البحرية.

وإذا ما اضفنا الى ذلك ان العديد من الدراسات الحديثة تشير الى استمرار الارتفاع في الطلب الإقليمي والعالمي على منتجات الاقتصاد الأزرق وخدماته المتعددة لتلبية حاجات القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، كالقطاع النفطي من الناقلات والساحبات والمنصات البحرية، والقطاع العسكري من الزوارق والبوارج والغواصات والقطع الحربية المتعددة وكاسحات وصائدات الألغام، وسفن الهجوم البرمائية والطرادات القتالية، التي تشهد منطقتنا تسابقا محموما على ولوجها لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة، والقطاع السياحي من اليخوت والزوارق الشراعية والزوارق الرياضية، وقوارب النزهة، وقطاع النقل من العبارات وسفن نقل الركاب، والقطاع التجاري من ناقلات البضائع والخامات والزيوت، وناقلات الحاويات، وناقلات بضائع الصب، فضلا عن سفن وقوارب الصيد البحري أو النهري المشتق من تعاظم الطلب على منتجات الصيد البحري، وسفن الحفر وتطهير الموانئ، وسفن الإنقاذ والقطر وسفن الرافعات، والمنصات البحرية وغيرها الكثير، مما يجعل صياغة استراتيجية بحرينية لتنمية الاقتصاد الأزرق أمرا في غاية الأهمية.

* أكاديمي وخبير اقتصادي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة