أي مستقبل ينتظر الشرق الأوسط؟
 تاريخ النشر : الخميس ٥ يناير ٢٠١٢
بقلم: جيرار شالياند
بشكل غير رسمي، بات مصير سوريا الأسد مقرراً، فبحكم قوة التحرك الذي بدأته الجامعة العربية في الأيام الأخيرة، والذي تلعب فيه دول الخليج دورا رئيسيا، مع مشاركة تركيا الحاسمة، وموافقة الأوروبيين؛ وعلى رأسهم فرنسا، وموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن النظام السوري سوف يسقط خلال السنة الجارية.
من المفترض ؟ مثاليا - أنْ يُضفي تأييدُ منظمة الأمم المتحدة، مع الموافقة المحتملة لروسيا وربما الصين أيضا، الشرعية الكاملة على هذه العملية. ولتحقيق هذا الغرض، لابد من إنشاء ما يسمى «ممرا إنسانيا» في داخل الأراضي السورية، باستعمال الضغط التركي، الذي سوف يتم من خلاله توفير شروط المواجهة العسكرية الرامية إلى إسقاط النظام العلوي.
هذه الأحداث، التي قد تكون مأساوية درامية، علما بأن الحروب الأهلية هي حروب جد دموية، سوف تكون لها على الأرجح، انعكاسات عنيفة على لبنان، حيث الطوائف الدينية، على غرار سوريا، سوف تجعل التوازن السياسي معقدا جدا، إن لم تؤدّ هذه الأحداث في النهاية إلى صراعات حقيقية.
موجة الصدمة التي ستُحْدِثها سوريا سوف تترتب عليها لا محالة تبعاتٌ كثيرة على «حزب الله» الشيعي، وهو التشكيلة الأكثر تماسكا وهيكلة في لبنان، وسوف تترتب عليها أيضا تبعات أخرى على حماس الفلسطينية، فعملية إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، التي كان يخطط لها المحافظون الأمريكيون الجدد، قبل عشر سنوات عشية التدخل العسكري في العراق، هي التي تجري أحداثها الآن، وإنما بصورة لم يتوقعها أحد. وقد باتت إسرائيل معزولة منذ الانقلاب المفاجئ لتركيا، ومنذ بداية التحولات الكبيرة التي تجري في مصر حاليا.
استثمار هذه الخريطة في العراق، الذي كان يفتَرض أن يمهّد لتقدم الديمقراطية في الشرق الأوسط، كانت نتيجته على الخصوص وصول الشيعة إلى الحكم، وما تكبدته الولايات المتحدة من انكسارات عسكرية في العراق، بل أكثر مما لقيته في أفغانستان التي كانت ضحية مشروع المحافظين الجدد أيضا. ومن سخرية الأشياء أن جورج بوش الابن قد وضع السلطة في بغداد بين أيدي حليف لواحد من بلدان «محور الشر»، والذين يهتمون بتاريخ المنطقة عبر الزمن، يعرفون أن إيران الشيعية قد خسرت في بداية القرن السادس عشر ما يسمى اليوم العراق لصالح الإمبراطورية العثمانية التي كانت آنذاك بطلةَ السنّة في المنطقة. وفي أعقاب التدخل العسكري الأمريكي في العراق، أحست الأقلية السنية التي كانت تقود العراق منذ الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، أنها أصبحت مهمشة من قبل الأغلبية الشيعية.
وقد أدى هذا التحول الكبير إلى ذهول ووجوم في منطقة الخليج التي ما انفكت تعمل منذ الثورة الخمينية من أجل مواجهة محاولات التمدد الإيراني.
بشكل عام، يعد صعود التيار الإسلامي في المغرب وفي المشرق العربيين، نجاحا للتوجهات السعودية المعتدلة. وسوف تجني تركيا من هذا النجاح، فوائد سياسية من خلال الدور الذي سوف تلعبه في إسقاط النظام السوري. أما إيران فقد باتت تشبه، أكثر فأكثر، قلعة محاصرة تُشَنّ ضدها حربٌ في الخفاء، من أجل تأجيل برنامجها النووي الذي قد يؤمن ملاذها.
صعود الإسلاميين، وخصوصا الراديكاليين منهم، كان نتيجة انتخابات ديمقراطية أتاحت لهم الظهور إلى النور، وكان أيضا نتيجة العمل الدؤوب الذي ما انفكوا يؤدونه منذ عقود من الزمن لصالح الفئات المحرومة.
ومن بين الأوضاع المتناقضة التي تعكس أوضاعا نوعية، هناك وضعية مصر التي تعد أساسية في المنطقة، ليس فقط لأن نفوذ الإسلاميين فيها هو الأكثر أهمية، ولكن أيضا لأن هذا البلد هو المركز الديموغرافي والثقافي والفكري للعالم العربي. فضلا عن ذلك، تظل مصر، إلى جانب الأردن، البلدين الوحيدين اللذين وقّعا اتفاقية سلام مع إسرائيل. أما مستقبل البلاد الاقتصادي، فهو يلوح في الآفاق صعبا ، وأيا كانت الأغلبية التي لا شك أنها ستقع تحت هيمنة أنصار الإسلام السياسي، فسوف تظل مشكلة النمو الاقتصادي مشكلة محورية، ولايزال الجيش في مصر، هو القوة الوحيدة المتماسكة خارج الإخوان المسلمين والسلفيين، يحتفظ بقوة إدارة اللعبة المضطربة في البلاد.
وفي العراق، ورغم الانسحاب الرسمي للقوات الأمريكية، لايزال عدد موظفي السفارة الأمريكية وأعضاء الشركات الأمنية، يقارب ٢٥٠٠٠ رجل، ناهيك عن أن الشركات الأمريكية تستفيد في البلاد من أسواق جد مربحة. إلا أن الوضعية تبقى مع ذلك غامضة، وتظل التوترات بين الطوائف قوية؛ حيث تسعى هذه الطوائف إلى المزيد من السلطة في مرحلة ما بعد الانسحاب، فيما ستظل التيارات الشيعية، ومن بينها تيار مقتدى الصدر، تتلقى دوما دعما كبيرا من إيران.
* جيوسياسي متخصص في الصراعات المسلحة.
.