هل كان النواب مبالغين.. أم محقين؟!
 تاريخ النشر : الخميس ٥ يناير ٢٠١٢
لطفي نصر
وقفة السادة النواب في جلستهم يوم أمس الأول في مواجهة ما تقوم به هيئة الكهرباء هذه الأيام من قطع الكهرباء عن المشتركين المتأخرين في سداد ثمن استهلاك التيار الكهربائي.. كانت وقفة ضرورية لا بد منها، ولكنها بصراحة كان مبالغا فيها.. أو أنها وقفة انحازت إلى جانب المواطن المشترك بشكل مبالغ فيه وتجاهلت المبررات أو الأسباب التي جعلت الهيئة تضطر إلى القيام بما تقوم به، وهي التي قلبها مع المشتركين مثلها في ذلك مثل السادة النواب تماما.
طبعا المسألة ليست إرهابا ولا مداهمات ولا قلوبا منزوعة الرحمة والإنسانية كما صوّر البعض ذلك.. فالسادة النواب هم أول من يعلمون بما جاء به تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية من خلال باب «الفساد والمفسدين وسوء الإدارة وهدر أموال الدولة» من أن المتأخرات في الموقف المالي لهيئة الكهرباء قد تضخم ووصل إلى ٧٦,٣ مليون دينار.. ولم يسكت تقرير ديوان الرقابة عند هذا الحد عندما سارع إلى وصف كل ذلك بالتقاعس والإهمال عن التحصيل والتسبب في ضياع أموال الدولة.
وكما يعلم السادة النواب فإن الصحافة قد سارعت إلى إبراز هذا الخبر - أقصد خبر ضخامة المتأخرات - ونشرته على صدر صفحاتها الأولى وفي «مانشيتاتها» الرئيسية.. وأن الجميع بمن فيهم النواب أنفسهم قد لاموا الهيئة وهاجموها وطالبوها بالبحث عن الأموال العامة الضائعة والمهدرة.
هذه ناحية.. أما الناحية الأخرى فهي أن المتأخرين عن السداد ليسوا كلهم من الأسر الفقيرة والمحتاجة، بل من بينهم من هم موسرون ويملكون أرصدة ضخمة في البنوك.. وليسوا جميعهم مضطرين إلى عدم سداد ثمن استهلاكهم من الماء والكهرباء.. بل هناك متعمدون.. يمتنعون عن السداد عمدا مع سبق الإصرار والترصد.
وكثيرون يمتنعون عن السداد انتظارا لمكرمات تُسقط عنهم متأخراتهم كما حدث ذلك مرارا وتكرارا.. إلى درجة أن البعض عندما يلتقون فإنهم يحرض بعضهم بعضا على عدم سداد فواتيرهم لأن المكرمة قادمة لا محالة.
إذن ما هو الحل؟.. الحل هو الذي ساقه بعض السادة النواب - وعلى رأسهم الشيخ عادل المعاودة - عندما طالبوا بوقف القطع عن الجميع ومراجعة أوضاع المتأخرين عن السداد.. فيكون القطع عن الأغنياء والموسرين المتعمدين عدم سداد فواتير الكهرباء والماء.. والنظر في أوضاع الفقراء والمحدودي الدخل والمتقاعدين وغير القادرين والذين ساءت أوضاعهم وأحوالهم بسبب هذه الأحداث المؤلمة التي سببها الآثمون والخارجون على القانون.
لكن في كل الأحوال يجب أن تتحمل هيئة الكهرباء في شجاعة مسئوليتها كاملة عن التأخر في التحصيل نتيجة إهمال المسئولين عن التحصيل، وترك المستحقات تتراكم على المشتركين إلى الدرجة التي يصبح الحل للوفاء بها الاضطرار إلى مد الأيدي أو بيع كل ما يملكون.. وقد لا يكفي!
ثم يبقى أن الحالة التي أوجدتها المكرمات التي ليس للمواطنين دخل فيها تحتاج إلى نوع من العلاج الناجع والانساني في ذات الوقت.. وفق الله الجميع لما فيه الخير لغير القادرين.. ومن وجدوا أنفسهم خلال شهور قلائل وقد أصبحوا عاجزين عن الوفاء بأي شيء.. ونسأل الله أن يجازي كل من كانوا وراء كل ما جرى.
***
اتصل بي بالأمس عدد من المتقاعدين ليواجهونني بحقيقة أن الزميل الأستاذ إبراهيم الشيخ قد أصبح هو المهتم الأول والأكثر إحساسا بأوضاع ومعاناة المتقاعدين.. وأنني ومعي الأستاذ الدكتور علي أحمد عبدالله النائب بمجلس النواب قد تراجعنا عن هذه المرتبة أو المكانة التي كانت لنا من قبل في نفوس وقلوب جميع المتقاعدين بلا استثناء.
أخذت أبحث عن سبب تراجعي أنا عن هذه المكانة لدى المتقاعدين.. وسر صمتي وتقاعسي عن الكتابة عن مأساتهم.. فلم أجد سوى أنني من فرط تأثري ومعايشتي لهم ولأوضاعهم قد أصبحت يائسا مثلهم.. ووجدت نفسي رغما عني أسلم نفسي لهذا اليأس الذي صدني عن الكتابة.. أو مواصلة النفخ في «قربة مقطوعة».!!
والحقيقة أيضا - وأشهد الله أنها الحقيقة - أنني منذ أيام وجدتني ألوم نفسي بقسوة على هذا الصمت الرهيب إزاء القضية الإنسانية الأولى على هذه الأرض.. قضية الظلم الواقع على المتقاعدين.. ولكن عندما هممت بكسر هذا الصمت والمبادرة إلى استئناف الكتابة عن أوضاع المتقاعدين.. وجدت نفسي أتريث مفضلا انتظار التعرف على رد وزير المالية رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي على سؤال أحد السادة النواب: ما هو السبب الذي جعل الدولة تتراجع فجأة عن منح زيادة الـ ٣٧ للمتقاعدين والاكتفاء بمنحهم ٧٥ دينارا إعانة لا تسمن ولا تغني من جوع؟.. في الوقت الذي ترى فيه دولة الإمارات أن زيادة معاشات المتقاعدين بنسبة ١٠٠% قليل عليهم.. على الرغم من أنهم كانوا أحسن حالا من متقاعدي البحرين!
أعد الإخوة المتقاعدين بالعودة قريبا إلى استئناف الكتابة عن قضيتهم.. ولست أدعي أنه سيكون بمقدوري استعادة المكانة الأولى التي أصبحت للصديق العزيز الأستاذ إبراهيم الشيخ لأنني لا أملك كل المقدرة والشجاعة اللتين يمتلكهما.. ولكني أسأل الله أن يمكنني من أن أشاركه هذه المكانة.. والله على كل شيء قدير.
.