الاحتقان الطائفي يعود إلى العراق
 تاريخ النشر : الجمعة ٦ يناير ٢٠١٢
بقلم: هارولد مايرسون
لم يدم الأمر طويل.
بعد يوم واحد من الانسحاب العسكري الأمريكي، بات العراق على وشك الانزلاق مجددا في أتون الصراعات الطائفية الدامية فقد أمر رئيس الوزراء نوري المالكي باعتقال نائب الرئيس طارق الهاشمي بعد اتهامه علنا بإصدار الأوامر وتمويل اغتيالات تستهدف كبار المسئولين الشيعة، كما طالب نوري المالكي البرلمان العراقي بإلتصويت على قرار يمكنه من عزل نائبه صالح المطلك.
للعلم فإن طارق الهاشمي وصالح المطلك من رجال السياسة العراقيين السنة كما أنهما عضوان في قائمة «العراقية» التي يتزعمها إياد علاوي والتي تضم القسم الأكبر من السنة العراقيين إضافة إلى الشيعة العلمانيين، على غرار علاوي نفسه.
بالمقابل ينتمي رئيس الوزراء نوري المالكي إلى حزب الدعوة، كما أن له العديد من الأطراف العراقية المتحالفة معه ويحظى بدعم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وهو ائتلاف أغلبيته الساحقة من الشيعة.
لقد عمد رئيس الوزراء نوري المالكي إلى نشر دبابات حول منزلي كل من طارق الهاشمي وصالح المطلك خارج المنطقة الخضراء التي يتحصن بها نوري المالكي نفسه.
لقد عاد شبح الانقسامات الطائفية البغيضة لتطل برأسها من جديد بمجرد انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق.
إن السرعة الكبيرة التي انزلق بها العراق مجددا في الانقسامات الطائفية تمثل دليلا على الجهود التي تقول الولايات المتحدة الأمريكية انها بذلتها على مدى قرابة تسعة أعوام منذ الغزو سنة ٢٠٠٣ قد فشلت في بناء الحد الأدنى من الثقة السياسية اللازمة لإقامة ديمقراطية انتقالية حقيقية.
أما أولئك الذين يقولون اننا كنا سنحقق نجاحا أكبر في بناء الديمقراطية في العراق لو أننا بقينا سنة أو سنتين أو عشرة أعوام إضافية فإن عليهم أن يفسروا لنا السبب الذي قد يجعلنا ننجح خلال إحدى عشرة سنة في تحقيق ما فشلنا في تحقيقه خلال تسع سنوات.
في سنة ٢٠٠٨ قال المرشح الجمهوري جون ماكين خلال الحملة الانتخابية الرئاسية انه سيكون أكثر سعادة لو أمكن للقوات الأمريكية البقاء في العراق مدة مائة سنة.لقد كان جون ماكين يقصد بناء قواعد عسكرية دائمة من شأنها أن تحمي المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. في الحقيقة لقد كان جون ماكين يعبر من خلال ذلك الكلام عن مدى يأسه، ففي غياب أي قوة عسكرية تمسك بزمام الأمور قدر الإمكان فإن الصراعات الطائفية قد تشتعل في العراق في أي لحظة وقد بدأت بوادرها وإرهاصاتها الأولى تظهر من جديد.
لطالما سعت الولايات المتحدة الأمريكية - وخاصة في عهد الرئيس السابق جورج بوش - إلى الترويج لما تقوم به في العراق زاعمة بأن مغامرتنا العسكرية الوخيمة هناك تمثل تجربة مهمة في البناء الديمقرطي الذي سيتحول إلى نموذج يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط، غير أن كل الدلائل توحي بالفشل الأمريكي الذريع في العراق.
لم يكن للولايات المتحدة الأمريكية أي تأثير في المتظاهرين الذين صنعوا الربيع العربي في بلدان أخرى غير أن النظام السياسي الذي قام في بغداد برئاسة نوري المالكي والذي يعتبر أحد ثمار الغزو العسكري الأمريكي يدعم اليوم النظام الدكتاتوري القمعي الذي يسعى اليوم إلى القضاء على الحركة المطالبة بالتغيير والديمقراطية.
.