الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤١ - الجمعة ٦ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


ماذا بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق؟





مع انسحاب آخر جندي من العراق قد نتمكن أخيرا من الإجابة عن السؤال الأهم حول طبيعة هذا البلد: هل كان العراق في عهد صدام حسين أفضل حالا مما عليه الآن لأنه يتكون من مجموعة من الطوائف والقبائل التي لم تكن قادرة على أن تتعايش مع بعضها بعضا إلا إذا ساسها حاكم بقبضة حديدية؟

الآن فقط سنحصل على الإجابة التي طالما انتظرناها بعد أن زالت القبضة الداخلية التي كانت تبقي على وحدة العراق (أي صدام حسين) وانتهت القبضة الحديدية الخارجية (أي القوات العسكرية الأمريكية).

الآن فقط سنعرف إذا ما كان العراقيون قادرين على أن يحكموا أنفسهم بطريقة حضارية تساعد مجتمعهم على التقدم والازدهار أم إذا ما كان الأمر سينتهي بهم إلى قبضة حديدية جديدة. لا نملك إلا أن نأمل الأفضل لأن أمورا كثيرة تتوقف على هذا الأفضل، غير أن الإشارات والإرهاصات الأولى تبعث على الخوف.

لقد خاضت الولايات المتحدة الأمريكية حربا «اختيارية» في العراق. لم تنطل علي أبدا تلك الادعاءات التي يزعم أصحابها أن صدام حسين كان يمتلك أسلحة نووية يتعين انتزاعها منه. أعتقد أن قرار الدخول في حرب في العراق قد كان ينبع من خيار آخر مختلف: هل يمكننا التعاون مع الشعب في العراق من أجل تغيير التوجه السياسي لهذا البلد المحوري في قلب العالم العربي ومساعدته على التطور والازدهار ومن ثم وضع كامل المنطقة على طريق الديمقراطية؟

عقب أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ طفت على الساحة تلك الفكرة التي يشدد أصحابها على ضرورة السعي لتغيير المشهد السياسي العربي ومعالجة مواطن الخلل في الدولة العربية إضافة إلى مواجهة «الارهاب الاسلامي»، وهي مواطن الخلل الفادحة التي ورد ذكرها في تقرير التنمية البشرية الصادر سنة ٢٠٠٢ إضافة إلى النقائص الأخرى الفادحة في العالم العربي مثل نقص الحريات، والتخلف المعرفي الكبير، والقصور الفادح في برامج تمكين المرأة. لقد بدا أن تلك الخيارات الاستراتيجية كانت شرعية. لكن هل كانت تلك الخيارات صائبة وحكيمة حقا؟

إن إجابتي عن هذه السؤال مزدوجة: «:لا» و«ربما».

أقول «لا» لأنه بقطع النظر عما سيحدث في العراق حتى إذا تحول العراق إلى سويسرا جديدة فإننا قد دفعنا ثمنا باهظا حتى يتحقق ذلك. لا يمكنني اليوم إلا أن أعبر عن الندم الشديد. لقد دفعنا ثمنا باهظا من أرواح جنودنا الذين سقطوا صرعى أو جرحى عدا العار الذي لحق بقيمنا والدولارات الطائلة التي أنفقناها والعواقب الوخيمة الناجمة عن الحرب التي تتخبط فيها الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم. بطبيعة الحال لقد دفع الشعب العراقي ثمنا باهظا أيضا وتكبد خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

لقد كان المشروع الأمريكي في العراق صعبا وهو ما يفسر تلك الخسائر المرتفعة. أما السبب الرئيسي الذي يفسر تلك النتائج الكارثية فهو يتمثل في رعونة إدارة جورج بوش وانعدام كفاءتها حيث انها زجت بالولايات المتحدة الأمريكية في حرب مدمرة ثم أساءت إدارتها.

أما السبب الثالث فهو لا يقل أهمية وهو يتعلق بطبيعة العدو، أقصد هنا إيران، الحكام العرب، وفوق ذلك كله تنظيم القاعدة، الذي كان ولايزال يعادي انتشار الديمقراطية في القلب النابض للعالم العربي: العراق، فقد دفع تنظيم القاعدة بمئات الانتحاريين من أجل زرع الرعب وإثارة الفتن وإفشال المشروع الديمقراطي.

إن أفضل سيناريو هو أن يتحول العراق إلى روسيا أخرى في منطقة الشرق الأوسط، أي دولة ديمقراطية غير مكتملة، ينخرها الفساد غير أنها تظل صامدة إلى أن يأتي جيل جديد خلال فترة قد تتراوح ما بين تسعة اشهر وإحدى وعشرين سنة، جيل يكون أكثر نضجا سياسيا وأكثر انفتاحا وإيمانا بالمجتمع التعددي.

أما القادة العراقيون الحاليون فهم من الحرس القديم وينتمون إلى عصر مضى، تماما مثل فلاديمير بوتين في روسيا.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة