الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤١ - الجمعة ٦ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

رأي أخبار الخليج


متى نأخذ الحياة بجدية مثل سائر الأمم المتقدمة؟!





أثار قرار وزارة التربية والتعليم تمديد اليوم الدراسي في المدارس الثانوية مدة ساعة بدءا من الفصل الدراسي الثاني لهذا العام جدلا واسعا في أوساط أولياء الأمور، وتحفظ البعض على القرار لاعتبارات اجتماعية أكثر منها ضرورات علمية أو تعليمية.

في هذا السياق لا بد من إجراء مناقشة علمية هادئة لهذا القرار التعليمي الاستراتيجي، ولا بد من التأكيد ابتداء أن الدافع الأساسي لهذا القرار كان التصميم على تطوير النظام التعليمي والارتقاء بمستوى الاداء المدرسي ليقترب أو ليواكب نظم التعليم الحديثة المتطورة في العالم المتقدم.

فنحن نعلم جميعا الأهمية الاستراتيجية للتعليم في حياة الأمم وتطورها، فهو مفتاح النهضة والرقي والتقدم.

وكلنا نتذكر انه عندما تقدم الاتحاد السوفيتي على الولايات المتحدة في السباق إلى الفضاء في مطلع الستينيات من القرن الماضي كلف الرئيس الأمريكي جون كينيدي لجنة علمية أصدرت تقريرا بعنوان «أمة في خطر» كان بمثابة الكتاب المرشد للنهوض بالتعليم في أمريكا بما مكنها في نهاية عقد الستينيات من وضع أول إنسان فوق سطح القمر عام ١٩٦٩م.

وفي واقعنا البحريني، يجب أن نتذكر الدور المحوري الذي لعبته مدرسة مثل مدرسة شركة «بابكو» في تكوين النخبة العصرية التي قادت المجتمع البحريني طوال نصف القرن الماضي.

ففي مدرسة «بابكو» كان الطلاب يتركون بيوتهم في السادسة والنصف صباحا، إذا كانوا من قاطني المنامة، أما الذين كانوا يقيمون في الحد والمحرق فكانوا يتركون بيوتهم في السادسة صباحا لركوب الحافلة التي تقلهم الى المدرسة في «عوالي».

وكان الطلاب يصلون الى مدرسة «بابكو» حوالي الساعة السابعة و٤٥ دقيقة، أما حصص الدراسة فكانت تبدأ في الساعة الثامنة صباحا.

وكان اليوم الدراسي ينتهي في الساعة الرابعة و٤٥ دقيقة مساء تتخلله فترة لتناول الغداء مدتها ٤٥ دقيقة وفترتان للاستراحة مدتهما ربع ساعة صباحا، وكذلك ربع ساعة عصرا.

وفي ضوء ذلك، كانت مدة الدراسة في مدرسة «بابكو» في حدود ٨ ساعات، علما بأن الطلاب كانوا يعودون الى بيوتهم بعد انتهاء اليوم الدراسي في حدود الساعة السادسة مساء، أي أنهم كانوا يمضون ما بين ١١ ساعة و١٢ ساعة ذهابا وإيابا شاملة أوقات الدراسة.

لقد كان ذلك يحدث في الماضي عندما كانت ظروف الحياة ما زالت أقل يسرا وأكثر صعوبة وعنتا، وليس كما هو الحال الآن في ظل ظروف معيشية ذات مقومات كثيرة للرفاهية.

إن على أولياء الأمور في بلادنا أن يتعاملوا مع قرار تمديد اليوم الدراسي مدة ساعة بمسئولية أكبر، فعليهم أن يفكروا في مستقبل أبنائهم ومستقبل مجتمعهم بدلا من التفكير في راحتهم الذاتية الوقتية.

ونحن نعجب حقا من الذين يوجهون من حين الى آخر سهام النقد الى التعليم الحكومي، وعندما تقرر الوزارة اتخاذ خطوات عملية قائمة على دراسات علمية من أجل تطوير الأداء التعليمي، نجد أن هؤلاء يسارعون الى إبداء الاعتراض بذرائع لا تمت الى ضرورات النهوض بالعملية التعليمية في بلادنا بصلة.

لقد ثبت من الدراسات التربوية المقارنة ان الزمن المدرسي الحالي للتعليم الثانوي في البحرين حوالي ٦٣٥ ساعة في السنة، في حين أن الزمن المدرسي في أمريكا هو في حدود ١١٧٠ ساعة في السنة، وفي استراليا ١٠٨٠ ساعة، وفي ايرلندا واليابان ١١٧٠ ساعة، مما يشير الى انخفاض كبير في معدل الزمن المدرسي في البحرين مقارنة بالدول الأخرى.

كما ان منظمة اليونسكو تعتبر ان المتوسط المتعارف عليه عالميا في المرحلة الثانوية هو ١٠٠٠ ساعة سنويا.

فكيف يمكن للنظام التعليمي في بلادنا أن ينهض بدوره الحضاري المأمول أن يكون قاطرة المجتمع نحو التقدم والتطور العصري ونحن في هذه الحالة من التراجع في المستوى والأداء المدرسي؟

كذلك، فإن وزارة التربية لم تتخذ هذا القرار إلا بعد تجربة ميدانية عبر تطبيق نظام تمديد اليوم المدرسي في مدرسة المحرق الثانوية للبنات، وثبت من نتائج هذه التجربة ارتفاع المستوى التعليمي للطالبات، اذ حققت نسبا عالية من الانجاز.

وقد ارتفع مستوى تحصيل الطالبات ومستوى الاتقان والتفوق عبر السنوات التي تم تطبيق نظام تمديد اليوم المدرسي فيها، مقارنة بنتائج المدارس الأخرى.

فإذا كانت التجربة خير برهان وثبت في الواقع البحريني نجاح هذه التجربة بما أدى الى ارتفاع نسبة رضى أولياء الأمور بنحو ٩١%، فهل يمكن أن نتردد في تطبيق تجربة ناجحة كهذه سيكون فيها الخير العميم للطلبة والتعليم في بلادنا؟

إن العالم من حولنا يشهد تغيرا متسارعا في كل يوم، وهو لا يرحم من يتخلف عن ركب التقدم، ولذلك فإن مناهج التعليم وطرق التعلم تتغير وتتطور بسرعة مذهلة، ولا يمكن لبلادنا - التي كانت دوما رائدة في التعليم في المنطقة العربية - إلا أن تواكب العصر وتطبق كل جديد مفيد.

ورسالتنا الى أولياء الأمور هي: فكروا في مستقبل أبنائكم ومجتمعكم قبل أن تفكروا في راحتكم الوقتية، فإلى متى نعطي الأولوية لتدليل أنفسنا وأولادنا على حساب الضرورات الاستراتيجية لنهضة الأمم.. فمتى نأخذ الحياة بجدية حقا؟!



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة