سوريا قد تغرق في الحرب الأهلية
 تاريخ النشر : السبت ٧ يناير ٢٠١٢
من يدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الداخل؟ أي دور يلعبه رجال الدين في هذه الانتفاضة الداعية إلى إسقاط النظام الحاكم في دمشق؟ هل باتت البلاد على شفا الحرب الأهلية؟ هذه الأسئلة طرحتها مجلة لونوفيل أوبزرفاتور على الكاتب والباحث والأكاديمي الدكتور توماس بييري بمناسبة صدور كتابه الجديد: «حزب البعث والإسلام في سوريا: عائلة الأسد في مواجهة العلماء».
- في كتابك الجديد الذي اخترت له عنوان «حزب البعث والإسلام في سوريا: عائلة الأسد في مواجهة العلماء» أسهبت في الحديث عن اللعبة السياسية المعقدة والمركبة بين الدولة الشمولية التي يسيطر عليها العلويون - والتي تتخذ من العلمانية واحدة من أهم أسسها الاديولوجية - ورجال الدين السنة الذين تقول عنهم انهم مستعدون للقبول بأي صفقة من أجل تعزيز سلطتهم الدينية داخل المجتمع السوري. في الانتفاضة التي يواجها النظام السوري برئاسة بشار الأسد منذ شهر مارس ٢٠١١ أي دور وأي نفوذ لعلماء الدين السنة؟
منذ الأيام الأولى لهذه الانتفاضة الدامية الداعية إلى إسقاط نظام الرئيس الأسد انقسم علماء الدين السنة ما بين موال لنظام دمشق ومؤيد لحركة الاحتجاجات التي اتخذت نسقا تصاعديا بات ينذر بخطور اندلاع حرب أهلية، الأمر الذي قد يغرق البلاد في حمام من الدماء علما أن ما نشهده هذه الأيام ينم عن حمام حقيقي من الدماء. يعتبر علماء الدين السنة منذ وقت طويل موالين للنظام البعثي الأسدي لذلك فإن موقف الولاء الذي يتخذونه في خضم هذه الأزمة الطاحنة التي تواجه الرئيس بشار الأسد وأركان حكمه جاء متسقا مع هذه العلاقة التاريخية. يتصدر رجل الدين المعروف سعيد رمضان البوطي تيار الولاء للنظام السوري من بين علماء الدين السنة لذلك فإنه يطلق التصريحات التي تستخدم مفردات نظام الرئيس بشار الأسد في الحديث خاصة عن المؤامرة التي تستهدف سوريا، «قلعة الرفض والممانعة في العالم العربي».
رغم أن هذه المواقف التي يتخذها سعيد رمضان البوطي قد أساءت إليه في أعين المتظاهرين المعارضين لنظام الأسد فإن خطبه توفر التبرير الديني للسوريين السنة الذين يرفضون الانضمام إلى الحركة الاحتجاجية المعادية لسلطات دمشق. ففي مدينة حلب، التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في سوريا بعد العاصمة دمشق والتي تعرف بثقلها الاقتصادي، ظل العلماء ورجال الدين السنة بصفة عامة على ولائهم الكبير لنظام بشار الأسد، وهم ينسجون في ذلك على منوال طبقة التجار الأثرياء المعروفين بولائهم لنظام دمشق نظرا لتقاطع المصالح بين الطرفين وتداخل المال والسياسة.
أما في دمشق فإن كبار رجال الدين والعلماء السنة ما فتئوا يوجهون انتقادات لاذعة لنظام بشار الأسد وينددون بأعمال القتل التي يرتكبها في حق شعبه. لقد تحول رجال الدين والعلماء السنة في دمشق إلى «ايقونة» الانتفاضة ضد النظام البعثي الأسدي الحاكم في دمشق ناهيك عن أن المظاهرات المعادية لسلطات دمشق تنطلق في أغلبها من هذه المساجد السنية إثر الانتهاء من أداء الصلاة في أكبر أحياء العاصمة دمشق. لقد استشعر نظام دمشق الخطر فمنع رجال الدين والعلماء السنة من الخطابة في شهر رمضان الماضي. إنهم لا يلعبون الآن أي دور محدد غير أنهم يستطيعون العودة إلى واجهة الأحداث في حالة ظهور الإرهاصات الدالة على بداية تآكل النظام البعثي وضعف.
تعتبر درعا أول مدينة سورية تنتفض ضد نظام بشار الأسد البعثي وقد ابدت النخب الفكرية والدينية منذ البداية تأييدها الكامل والعلني للمظاهرات المعادية لنظام دمشق والمطالبة بالتغيير غير أن نظام بشار الأسد قد شن حملة واسعة في صفوفها واستطاع إلى حد كبير أن يكتم أصواتها. لقد غادر بعض العلماء السنة المعارضين البلاد كما أن الكثير منهم قد أصبحوا أعضاء في المجلس الوطني السوري الذي يرأسه البروفيسور برهان غليون والذي يتخذ من مدينة اسطنبول التركية مقرا له.
- ما هي الأطراف التي لاتزال تؤيد نظام بشار الأسد البعثي الشمولي وما مصلحتها في ذلك؟
يجد نظام بشار الأسد البعثي التأييد الكامل تقريبا من الأقليات الدينية، فالأقلية العلوية تخشى اليوم ردة فعل السوريين السنة إذا ما تولوا السلطة حيث انهم قد يعمدون إلى تصفية حسابهم ضد العلويين الذين حكموهم على مدى عقود بقبضة حديدية. أما المسيحيون فهم يخشون أن يلقوا مصير المسيحيين في العراق نفسه الذين اضطر عدد كبير منهم إلى الهجرة بعد أن تعرضت كنائسهم للتفجير وقتل منهم العشرات.
يلقى نظام بشار الأسد أيضا الدعم والتأييد من جانب كبير من الطبقة المتوسطة إضافة إلى البرجوازية السنية في كل من مدينة حلب والعاصمة دمشق على وجه الخصوص وذلك على خلفية تقاطع المصالح الاقتصادية والتجارية والسياسية بين الطرفين. لا يبدي هؤلاء - أي أبناء الطبقة الوسطى والبرجوازية السنية - تعاطفا محددا مع النظام الحالي الحاكم في دمشق وهم يستطيعون التكيف تماما مع أي نظام يأتي بعد بشار الأسد وهم قد يفضلون قيام نظام إسلامي معتدل يقوم على أنقاض النظام البعثي في حالة انهياره. يعود ولاء أبناء الطبقة الوسطى والبرجوازية السنية لنظام بشار الأسد في جانب كبير منه إلى تخوفهم من انزلاق سوريا ما بعد نظام البعث في أتون الفوضى ليتكرر بذلك السيناريو العراقي.
- ما هي الوسائل المتاحة للخروج من هذه الأزمة الطاحنة؟ هل يمكن لجامعة الدول العربية أن تلعب فعلا دورا حاسما؟ هل تمثل الشريان الذي يبقي نظام بشار الأسد على قيد الحياة؟ ما هي البدائل: خنق الاقتصاد السوري تدريجيا من خلال دول الجوار؟ التدخل العسكري؟ نجاح الثورة الداخلية في إسقاط بشار الأسد؟
أعتقد أن أي حل تفاوضي لإنهاء الأزمة السياسية الطاحنة في سوريا قد بات مستحيلا، فنظام بشار الأسد البعثي لا يرغب في أي عملية انتقال ديمقراطي لأن الانخراط في مثل هذا المسار السياسي يعني بكل بساطة نهايته الإكلينيكية. أما المعارضة الممثلة في المجلس الوطني وبقية الأطياف فهي تعتبر أن أي إصلاح لا ينص على إقامة انتخابات حرة وشفافة إنما لا يعدو أن يكون عملية تجميل تصب في مصلحة نظام دمشق وتمده بشريان الحياة وطوق النجاة الذي قد ينقذه من الانهيار.
إن السيناريو التونسي غير ممكن في دمشق بالنظر إلى البنية الأسرية للنظام الأسدي واعتماده على أعمدة مهمة تشمل الطائفة والجيش على وجه الخصوص.
تستطيع جامعة الدول العربية - على ضعفها - أن تلعب دورا مهما وخاصة على صعيد العلاقة مع كل من روسيا والصين غير أن الدبلومسية وحدها لن تفلح في إسقاط نظام بشار الإسد في دمشق.
أما على الصعيد الاقتصادي فإن سوريا ستواصل التنفس - وإن بصعوبة - من خلال رئتين رئيسيتين هما لبنان والعراق، حيث ان حكومتي بيروت وبغداد مؤيدتان للنظام البعثي الحاكم في سوريا. لقد أثبت لنا من قبل صدام حسين في العراق أن مثل هذا النظام الشمولي الاستبدادي يستطيع الحفاظ على بقائه في الوقت الذي يصل فيه شعبه إلى مرارة المعاناة حتى المجاعة.
أما سيناريو التدخل العسكري الأجنبي فهو يبدو غير واقعي، في الوقت الراهن على الأقل، فالدول الغربية ما انفكت تردد أنه لا سبيل لتكرار السيناريو الليبي في سوريا وأن سوريا ليست ليبيا، أما تركيا فقد ظلت في واقع الأمر تطلق التصريحات القوية للتستر على عجزها.
أعتبر أن التطور الأكثر خطورة يتمثل في نشأة حركة مسلحة تضم العسكريين المنشقين عن الجيش النظامي السوري الذين أصبحوا يشكلون الجيش السوري الحر. تجد القوات المسلحة الموالية لنظام دمشق نفسها في وضع صعب لمواجهة مثل هذا التطور الخطر وخاصة إذا ما حصل هؤلاء المنشقون على الدعم المالي واللوجيستي من الخارج. لكن في الوقت الراهن لا يبدو أن القوى الأجنبية ولا حتى المعارضة السورية في المنفى مستعدتان لمثل هذا التطور الذي قد يتسبب في اندلاع حرب أهلية حقيقية.
.