الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٢ - السبت ٧ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


سجن جوانتنامو





في ١١ يناير ٢٠١٢ ستكون المناسبة «العقدية»، أي مرور عشر سنوات طويلة عجاف على افتتاح أسوأ معتقل في التاريخ المعاصر، وهو معتقل جوانتنامو

) pmaC noitneteD yaB omanatnauG(، وكُنتُ أتوقع بعد انتظار هذه السنوات، أن الرئيس باراك أوباما سيفي بوعده الذي قطعه على نفسه قبل قرابة أربع سنوات بإغلاق هذا السجن اللاإنساني وغير القانوني بجميع المقاييس، الأمريكية وغير الأمريكية.

ولكن فوجئ المجتمعان الأمريكي والدولي على حد سواء وأصحاب الضمائر الإنسانية الحية، وعشية يوم الأعياد والأفراح عند المسيحيين، أي ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة في ٣١ ديسمبر ٢٠١١، أن أوباما قد وقع قانونا جديدا يعزز من بقاء هذا السجن الذي يعتبر وصمة عارٍ في تاريخ أمريكا.

فقد توقع الجميع أن أوباما سيلتزم بوعده، وسيكون عند كلمته، وسيلقي السعادة والبهجة والسرور في قلوب الكثيرين، سواء أكانوا من الذين يعملون على إغلاق المعتقل، أن من أُسر وأصدقاء الضحايا الذين يقبعون نحو عشر سنوات في هذا السجن المظلم من دون تهمة، أو محاكمة، أو معرفة أي إنسان لما يدور فيه.

لقد خَيَّب أوباما ظن الكثيرين، وقام بتوقيع قانون الدفاع، أو ما يُعرف بالقانون القومي للصلاحيات الدفاعية)tcA noitazirohtuA esnefeD lanoitaN ehT(، وهو قانون سَنَوي يهدف إلى وضع ميزانية وزارة الدفاع وآليات ومصارف هذه الميزانية، كما أن هذا القانون يشتمل في الوقت نفسه على بنود متعلقة بقضايا أمنية ودفاعية أخرى.

فمازال هذا القانون الجديد لا يمنع إنشاء السجون العسكرية السرية وغير السرية خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، ومازال هذا القانون يعطي صلاحيات كبيرة واستثنائية للجيش الأمريكي في مجال حجز واعتقال واستجواب الأمريكيين وغير الأمريكيين وفترة زمنية غير معلومة وغير محددة وبما يتنافى مع حقوقهم الدستورية التي نص عليها الدستور الأمريكي نفسه، وكل هذه الاستثناءات في تطبيق القانون تأتي تحت عنوان «الحرب على الإرهاب»، وهي حرب وهمية لا يعرف لها وطن ولا تعرف لها حدود جغرافية، فاختلقتها أمريكا لتبرر غزوها واحتلالها لدولٍ أخرى.

وقد كانت هذه آخر فرصة لأوباما ليدخل التاريخ من بابه الأمامي المشرق، فيُذكر أمام العالم بأنه رئيس التزم بوعده الذي قطعه على نفسه أثناء حملته لانتخابات الرئاسة في عام ٢٠٠٨، وبعد دخوله البيت الأبيض في يناير ٢٠٠٩، حيث قال: سيتم إغلاق جوانتنامو، وسيمنع التعذيب في التحقيقات حتى إن كان المشتبه فيه إرهابيا وستغلق أيضاً السجون السرية للمخابرات الأمريكية.

والآن تحاول الحكومة الأمريكية ممثلة في سلاح البحرية، وهو الجهة المشرفة على السجن، أن تلطف من الجو المشحون غضباً ضدها من الأمريكيين ومن المجتمع الدولي وأن تغير انطباع العالم عنها، فتقوم بالتغطية على الجرائم التي ارتكبت في هذا السجن من دون علم أحد، وذلك من خلال إدخال بعض التحسينات البيئية على هذا السجن واستخدام وسائل لتوليد الكهرباء نظيفة وصديقة للبيئة.

فقد قام سلاح الجو الأمريكي بوضع سياسة واستراتيجية في مجال الطاقة تتمثلان أولاً: في تحديد إجراءات عملية تخفض وترشد من استهلاك الطاقة، وثانياً: في تبني مصادر الطاقة البديلة والمتجددة بدلاً من مصادر الطاقة التقليدية الناضبة للوقود الأحفوري، وبخاصة الديزل. ومن أجل تنفيذ هذه السياسة استخدمت طاقة الرياح، فوضعت توربينات خاصة تعمل لتوليد الكهرباء لمجمع السجن والقاعدة العسكرية البحرية. كما قامت باستخدام الألواح الشمسية فوق بعض أسطح المباني لتوليد الماء الساخن والطاقة، إضافة إلى استخدام مصابيح للإنارة تعمل بالطاقة الشمسية.

وهنا أيضاً استغلت البيئة لتحقيق أهداف أخرى منها سياسية، كما ذكرنا سابقا، ومنها اقتصادية، حيث إن الوقود المستخدم حاليا وهو الديزل، مُكلف جدا لسببين: الأول هو غالي السعر، والثاني الكلفة العالية لنقله عبر البوارج البحرية من ولاية فلوريدا إلى القاعدة العسكرية.

ولا أدري إلى متى سيبقى هذا السجن يُشكل سجلا مظلما في تاريخ أمريكا؟

وهل سيأتي رئيس قوي وشجاع يُغلب الجانب القانوني والإنساني على الجانب السياسي، فيتخذ خطوة تنفيذية «جريئة» لإغلاق السجن؟



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة