ندوة الاتحاد الخليجي في تجمع الوحدة الوطنية
 تاريخ النشر : الأربعاء ١١ يناير ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الاتجاه الوحدوي هو مطلب قومي عربي سعت اليه الشعوب العربية ومازالت، ومن هذا المنطلق فان اي تقارب هو خطوة في اتجاه تحقيق هذا الحلم، لكن يجب ألا يكون هدف التقارب هو امني بحت نابع من الخوف من تهديد اجنبي بقدر ما يكون نابعا من الايمان بمصلحة وطنية شعبية تنموية تضع العالم العربي على خريطة العالم المنتج المسهم في الحضارة العلمية الانسانية.
للمساهمة في هذا التوجه عقد تجمع الوحدة الوطنية يوم الاربعاء الماضي (٤ يناير) ندوة دعا اليها الأمين العام لمنتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية الاستاذ فهد البذال الذي حصر حديثه على اربعة محاور: قسم المحور الاول الى ثلاث نقاط هي اولا سيادة الدولة (من يحكم)، ثانيا الجانب العسكري وتوحيد الجيش ووحدة اقتصادية تقوم على الحريات الاربع (حرية التنقل، حرية العمل، حرية رؤوس الاموال، حرية التملك)، ثالثا الوحدة الدبلوماسية ليكون صوت دول الخليج خارجيا واحدا مع الحفاظ على الخصوصية الداخلية.
المحور الثاني: عدم المساس بالمكاسب الشعبية في كل دولة التي تحققت على مدى نصف القرن الماضي سواء في الكويت او البحرين أو غيرهما. المحور الثالث هو الامن بحيث لا يخضع المواطن في دولة واحدة الى النظام الامني في الدول الاخرى اي عدم توحيد نظام الامن الداخلي. رابعا: الثروة الوطنية ومستوى المعيشة لن يتغير ولن يتم توحيد الحقوق والواجبات الاقتصادية.
لا شك ان دول الخليج بحاجة الى وحدة لعدة اسباب ولكن ان يكون المنطلق أمنيا بحتا فهو مرفوض كما اوضح الاستاذ البذال، ونشاطره الرأي في ذلك، كما نشاطره الرأي ان المخاوف الامنية والديموغرافية تستوجب العمل على مسارين: الاول الوحدة بدرجاتها المختلفة، والمسار الاخر والاهم الاصلاحات السياسية التي من دونها سوف يكون التهديد داخليا بالاضافة الى التهديد الخارجي.
التوجه الامني ينبع من فرضية «ان ايران عدو». هذه الفرضية تخلق ذهنية تطرح السؤال «كيف نهزم هذا العدو؟». الاجابة عن هذا السؤال تضع التنمية في المرتبة الثانية وسوف تعطي مبررات لمزيد من التراجع في الحريات السياسية للشعوب وقد تؤثر حتى في المكاسب السياسية التي تحققت خلال الفترة الماضية. بالاضافة الى ذلك فهي تفرز حلولا عسكرية قصيرة المدى تعتمد على التسلح بصفقات من الخارج ستكون بالضرورة على حساب التنمية الاقتصادية والبشرية. كما انها سوف تزيد من اعتماد دول الخليج على الاجنبي في توفير السلاح وبالتالي الهيمنة على القرار السياسي. هذه الذهنية على مدار الثلاثين سنة الماضية لم تسهم في معالجة القضايا العالقة بين دول المجلس، واخيرا وهو الاهم فان هذه الذهنية لن تخلصنا من الافراط في الشعور بالسيادة القطرية التي كانت السبب في تعثر الاتفاقيات الاقتصادية وعدد من المشاريع التنموية وفي تفاقم بعض الخلافات.
الخوف الذي تستند إليه هذه الفرضية لا ينتج خيارات وحلولا طويلة المدى. ولنأخذ العبرة من ردة الفعل الامريكية على التفوق السوفيتي في الستينيات عندما غزا القمر. كانت ردة الفعل هي برنامج علمي تنموي طويل الامد بدأ بتطوير التعليم، وليس اجراءات ارتدادية تعتمد على حسن نيات الغير. ذهنية الخوف بلغت بالبعض إلى ان يعتبر ايران العدو الاول للعرب، كما ادت الى معاناة الانسان العربي على مدار العقود السبعة الماضية.
ان الفرضية التي نتمنى ان يقوم عليها الاتحاد في اي شكل كان (كونفدرالي او اندماج كامل) هو «ان ايران هي دولة مسلمة جارة تنتهج سياسة سلبية لا تساعد على التقارب في الوقت الراهن فكيف نغير هذه السياسة ونستفيد من الكتلة البشرية في خلق منظومة خليجية قوية اقتصاديا وعلميا وبالتالي عسكريا؟».
الذهنية هذه تسفر عن اجابات مختلفة عن الفرضية الاولى واكثر تركيزا في الجانب التنموي. هذه الذهنية تطرح بقوة الحاجة الى تحرير الانسان الخليجي ليطلق طاقاته للبناء والانتاج والبحث العلمي الحر غير المكبل بضوابط امنية مرتبكة، وتطرح بشدة الحاجة الى اصلاحات سياسية يتطلبها المسار التنموي ليسير جنبا الى جنب مع مسار الوحدة، فالاصلاحات السياسية سوف تقوي البيت من الداخل وتحدث نقلة في الاعداد والاستعداد لمواجهة المخاطر اعتمادا على التكنولوجيا والعلم الخليجي والصناعة الخليجية.
هذه الفرضية تفسح المجال للاستفادة من سوق مشتركة تشمل المنطقة بكاملها يقارب عدد سكانها مائتي مليون نسمة. كما ستؤثر الاصلاحات السياسية والتنموية المصاحبة للوحدة في ترشيد القرار وعزله عن الشعور بالسيادة المفرطة والحساسيات التي بقيت عائقا في تقدم التعاون الخليجي. كما ان هذه الفرضية تضع اعتبارا لاحتمال تأثر ايران بالربيع العربي وحدوث تغير في قياداتها وفي ايديولوجية الحكم الديني.
الفرضية الثانية سوف تعطي الشعوب القدرة على الضغط في اتجاه ما يتبناه منتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية وما طرحه الاستاذ البذال وهي المساهمة في استقرار الحكم وفي الوقت نفسه تأمين حق المواطن في حياة حرة كريمة والمشاركة من خلال برلمانات وحكومات منبثقة منها ، واهمية الشفافية في عرض ميزانيات الدولة والمساءلة على نتائج سياسات الحكومات. الفرضية الثانية تعطي أملا في احياء الحاضنة العربية لتنطلق من مشروع تنموي خليجي تصل ثماره لتعم العالم العربي.
والان نتساءل كيف سيكون دور الانسان الخليجي في هذا الاتحاد؟ وكيف سيتم التعبير عن هذا الصوت؟
.