الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٨ - الجمعة ١٣ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


نحو استراتيجية وطنية لتنمية الاقتصاد الأزرق (٤)





لا ريب أن صياغة استراتيجية لتنمية أي قطاع اقتصادي لابد ان تبدأ من التخطيط لتوفير الموارد البشرية التي تنفذ تلك الاستراتيجية بالنوع والكم اللذين تتطلبهما، ولا تختلف الاستراتيجية الوطنية لتنمية الاقتصاد الازرق عن ذلك، لذا لابد اولا من التخطيط لايجاد الموارد البشرية المواطنة المؤهلة للعمل في القطاعات المكونة للاقتصاد البحري وفقا لمستوى النمو المستهدف خلال السنوات التي تغطيها الاستراتيجية، وهنا لابد من الاشادة بالمبادرة المميزة التي سبق ان أعلنها الشيخ دعيج بن سلمان آل خليفة رئيس المؤسسة العامة للموانئ البحرية في سبتمبر ٢٠١١ المتمثلة في مشروع «صندوق التعليم للملاحة البحرية» الذي من خلاله ستقوم المؤسسة العامة للموانئ البحرية بدعم مختلف المجالات المتعلقة بالملاحة البحرية بهدف تطوير دعمها للقطاع وضمان استمراريته، وبالتالي العمل على ترسيخ مكانة البحرين في هذا المجال.

واستكمالا لذلك لابد من التخطيط لاستحداث اطار اكاديمي متخصص بالعلوم والتكنولوجيا البحرية في مملكة البحرين، وهنا يبرز امامنا خياران يمثلان نمطين من البناء الاكاديمي: الاول ان نبدأ بقوة لنكون مركزا اكاديميا بحريا اقليميا رياديا عبر تأسيس جامعة متخصصة بالعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، والثاني ان نبدأ بشكل متأن ومتدرج بتأسيس معهد وطني للتدريب البحري، ولكل الخيارين مزاياه وكُلفه. فبالنسبة إلى الخيار الاول لابد من الاشارة الى تجربتين متميزتين: الاولى الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في مصرالتي نشأت بداية كمعهد إقليمي للنقل البحري اثر قرار لجنة المواصلات بجامعة الدول العربية في (١١) مارس عام ١٩٧٠، وفي عام ١٩٧٩ قررت الأكاديمية إنشاء جهاز الامتحانات لتأهيل الربابنة والضباط والمهندسين البحريين للحصول على شهادات الأهلية للعمل على ظهر سفن أعالي البحار، وفي عام ١٩٩٤ وسعت من نشاطاتها و إصبح مسماها الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا «جامعة متخصصة في النقل البحري» وتمت معادلة الشهادات التي تمنحها بمثيلاتها التي تمنح في جامعات جمهورية مصر العربية، وتضم حاليا ست كليات منها كليتان متعلقتان بالنقل البحري هما كلية النقل البحري والتكنولوجيا، وكلية النقل الدولي واللوجستيات، واربع كليات ادارية وتقنية اخرى فيما تضم تسعة معاهد مختلفة التخصصات وعشرة مراكز علمية باختصاصات مختلفة. والثانية تجربة أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية التي تأسست في مدينة البصرة بجمهورية العراق سنة ١٩٧٥ وهدفت الى توفير الموارد البشرية المتخصصة بالعلوم والهندسة البحرية المدنية والعسكرية من حملة شهادتي الدبلوم والبكالوريوس للعمل في الموانئ وعلى متن السفن وفي مصانع وورش الصناعات البحرية، فضلا عن تخريج ضباط ومراتب للقوات البحرية العراقية. وتألفت من الكلية البحرية بأقسامها الثلاثة الهندسي والتجاري والعسكري، ومركز التدريب المهني، ومعهد الدورات وهو معهد متخصص بتنظيم الدورات الفنية البحرية الاساسية والتخصصية المدنية والعسكرية ومعهد الرادار واللاسلكي.

والبديل الآخر للتعليم البحري البدء بانشاء معهد للتدريب البحري تناط به مهمة تقدير وتوفير احتياجات المملكة من الموارد البشرية المتخصصة للعمل في قطاعات الاقتصاد الازرق من فنيين وتقنيين واداريين وغيرهم، ففيما يتعلق بالصناعات البحرية وما تتطلبه من فنيين في مجال تصميم وعمارة وبناء القوارب والسفن، فان المعهد المذكور يقوم بتنظيم دورات متخصصة بمستويات متعددة (دورات تأسيسية مدتها ستة اشهر واخرى متقدمة مدتها ثلاثة اشهر)، فضلا عن ارساله «زمالات» للحصول على دبلوم فني مشارك وبكالوريوس هندسة في الصناعات البحرية في المعاهد والجامعات العربية والاجنبية التي تدرس تلك التخصصات، وكذلك في مجال تخصص الادلاء والنقل والملاحة والتأمين والادارة البحرية.

كما يقوم المعهد المذكور بالتنسيق مع كليات الهندسة وادارة الاعمال في الجامعات الحكومية والخاصة لتضمين مناهجها الدراسية مقررات ذات صلة بالاقتصاد البحري مثل كليات الهندسة المعمارية تضمن مقرراتها مقررا خاصا بالعمارة البحرية، وكليات ادارة الاعمال تدرس مقرر التأمين البحري وهكذا وصولا الى استحداث برامج متخصصة بالاقتصاد البحري على مستويي البكالوريوس والدبلوم المشارك في المملكة.

ووفقا لرؤية البحرين الاقتصادية ٢٠٣٠ فان خيار تأسيس جامعة متخصصة بالعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري وتحت مظلة مشتركة من وزارة الدولة لشئون الدفاع ووزارة النقل ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة التربية والتعليم هو الخيار الانسب والارجح.

ويبقى القول ان اي استراتيجية تنموية شاملة او قطاعية في اي من دول مجلس التعاون الخليجي لا تحقق كامل اهدافها وتدني كُلَف تنفيذها وتضمن تحقيقها أفضل اداء ممكن وبتنافسية عالية، ما لم تنطلق من رؤية وحدوية تكاملية، هذا الامر ينطبق تماما على صياغة وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتنمية الاقتصاد الازرق، فدول المجلس جميعها بحاجة الى استراتيجية كهذه، حيث تشترك في ذات الثقافة والموروث والموارد والتحديات والبيئة البحرية لذا ينبغي التعاون والتكامل فيما بينها في هذا المجال. وقد اكدنا ذلك في ورقة بحثية بعنوان «الصناعات البحرية وإمكانات توطينها في دول مجلس التعاون الخليجي» عرضناها في مؤتمر «آفاق الاستثمار الصناعي في دول مجلس التعاون الخليجي» الذي نظمته دائرة التنمية الاقتصادية في رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة للمدة ٦-٨ نوفمبر ٢٠١٠ حيث اوصينا بـ:

١- ضرورة التعاون والتنسيق لمستوى التكامل وتقسيم السوق بين شركات الصناعة البحرية على مستوى الدولة الواحدة وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بما يسهم في نموها وتطورها.

٢- لأجل تحسين تنافسية الصناعات البحرية في دول المجلس ينبغي التعاون والتنسيق بينها وصولا الى توحيد أسواقها وتوفير ظروف قيام صناعات اقتصادية قادرة على المنافسة المتكافئة مع المنتجات الأجنبية المماثلة.

٣- ضرورة انشاء اتحاد خليجي للصناعات البحرية يؤطر نشاطاتها وينسق اعمالها ويسهم في تطويرها ويقوم بتمثيلها في الاتحاد الدولي لجمعيات الصناعات البحرية.

وحيث ان إمارة دبي قد باشرت بصياغة اول خطة استراتيجية لتطوير قطاعها البحري للسنوات ٢٠١٢- ٢٠١٧ بهدف تطوير وتعزيز الميزات التنافسية للإمارة على الصعيد البحري عالميا وإقليميا، وتوفير البنى الأساسية للارتقاء بالقطاع البحري تماشياً مع أعلى المعايير وأفضل الممارسات الدولية ووفق مجموعة من المرتكزات والقيم الجوهرية المتعلقة بالقيادة والتميز في خدمة العملاء والإبداع والتعاون والتفوق في الثروة البشرية والحفاظ على البيئة، لذا فان التنسيق والتعاون بين مملكة البحرين وإمارة دبي امر في غاية الفائدة لكلا الطرفين.

* أكاديمي وخبير اقتصادي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة