الطائفية أكبر تهديد للمصالحة الوطنية
 تاريخ النشر : السبت ١٤ يناير ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
في موازاة الجهود التي تقوم بها فعاليات أهلية عدة، لترميم التصدعات التي أصابت جدار الوحدة الوطنية بشرخ يجب عدم الاستهانة بعمقه، علينا أن نركز الجهود في أهم الأسباب التي أدت إلى حدوث هذين التصدع والتأثير العميق اللذين تركتهما على البنيان الوطني، فلا يمكن لأي جهود أن تنجح في ترميم التصدعات وإعادة اللحمة الوطنية إلى وضعها الطبيعي حيث الألفة والتسامح وغيرهما من الصفات الحسنة التي كانت هي السمات السائدة في علاقات أبناء البحرين من مختلف مكوناتهم الدينية والعرقية والمذهبية، فكي تنجح هذه الجهود لابد من حملة أخرى هدفها محاربة الطائفية وفضح الخطاب الطائفي وتحجيمه ومحاصرته لأنه السوسة الخطرة التي تنخر كل جهد يستهدف ترميم البيت الوطني البحريني.
في حديثه أمام مجلس التنمية الاقتصادية تذكر الأستاذ أنور عبدالرحمن السنوات الماضية، خاصة أيام مواسم عاشوراء وكيف أن المآتم ومواكب العزاء كانت خليطا من أبناء البحرين بسنتهم وشيعتهم، فلم تشكل هذه الاحتفالات الدينية أي حواجز مانعة بين أبناء الطائفتين، وهذا خير دليل على أن ما نشاهده الآن من تصاعد للخطاب الطائفي وبث السموم الطائفية عبر خطابات تنقلها وسائل الاتصالات المختلفة، ليست سوى ممارسات شاذة على علاقات التآخي بين أبناء الطائفتين.
ما ذكره الأستاذ أنور لا ينفي وجود طائفيين بين أبناء الطائفتين في تلك السنوات، ولكن الفرق بين ما كانوا عليه في تلك السنوات وما هم عليه الآن، أنهم كانوا يخشون المجاهرة ليست بممارساتهم الطائفية وإنما بمجرد التعبير عنها ولو بالإشارة، حيث كانت الممارسة الطائفية مرفوضة وتعتبر عيبا اجتماعيا مرفوضا يمكن أن يجر على صاحبها ويلات العزلة، أما الآن فإن المواقف الطائفية وممارساتها باتت محل تباه لدى البعض فلا خجل يمنعهم من المجاهرة بها ولا عيب اجتماعي يصدهم عن مواصلتها.
حتى تتكلل بالنجاح جهود التقارب وإعادة الدفء للحمتنا الوطنية لابد من تكثيف العمل من دون كلل لوأد الفكر الطائفي ومحاصرته وفضحه باعتباره فكرا مفسدا لهذه اللحمة ومدمرا للنسيج الوطني الذي كان يمثل بالنسبة إلى أبناء البحرين أجمل فسيفساء وطنية نتفاخر بجمالها، فهذه الفسيفساء تعرضت بالفعل للتشذيب والخدش في كثير من مفاصلها، بسبب الخطاب الطائفي الذي استغل أصحابه الأحداث المؤسفة والأليمة التي مرت بها بلادنا خلال الأشهر الأولى من العام الماضي خير استغلال لتشويه والإضرار بتلك الفسيفساء البحرينية الجميلة.
فلا مبالغة في القول: ان العقبة الكأداء التي تواجه جهود ترميم البيت الوطني البحريني وإعادة جماله ورونقه إلى حالته الطبيعية، هي الخطاب الطائفي والخطورة التي يمثلها ويحملها الطائفيون على أكتافهم للنيل من هذا البيت، فهؤلاء لن يألوا جهدا كي يحولوا دون نجاح جهود ترميم البيت الوطني، ذلك أن الوضع في حالته الطائفية يدر فوائد جمة على هؤلاء، وبالتالي فإنها فرصة قد لا تعوض، خاصة إذا ما تمكن مخلصو هذا الوطن من تحجيم الطائفيين وعزلهم ووأد خطاباتهم التي نجحت حتى الآن في تعطيل والحد من نجاح جهود ترميم البيت الوطني.
هذه العقبة (الطائفية) ليست إفرازا طبيعيا للأحداث التي عصفت بالبحرين خلال الأشهر الأولى من العام الماضي، بل كانت مطمورة تحت التراب غير قابلة للاستعمال وغير نافعة لأصحابها، ولكن بمجرد تفجر تلك الأحداث ألقى بها الطائفيون في الطريق بعد أن تهيأت الظروف وتوافر المناخ الملائم لاستخدامها، حيث لا يمكن لنا التقليل من حجم تلك الأحداث وكيفية وحجم استغلالها من قبل (المتمصلحين)، وفي مقدمتهم الطائفيون الذين لا تهمهم مصالح الوطن، ولا الطائفة التي ينتمون إليها، وإنما تهمهم مصالحهم الأنانية الضيقة.
إن مهمة كنس الطريق من هذه العقبة تمثل أكبر تحد يواجهه القائمون على جهود ترميم التصدع في البيت الوطني البحريني، وهي مهمة شاقة بكل تأكيد ولكن قدرنا يفرض علينا العمل على إزالتها من الطريق إذا ما كنا مخلصين حقا لجهود الترميم والمعالجة، فترك العقبة الطائفية من دون إزالة يعني الإفشال المبكر لهذه الجهود وبالتالي ترك الوطن ينزف مع تفاقم التمزق المجتمعي وتزايد التصدعات، وهذا يعني في نهاية الأمر إضعافا للوطن وتقطيعا للنسيج الوطني.. فلا معالجة حقيقية للشرخ الذي أصاب جسدنا الوطني إلا من خلال وأد الطائفية وعزل الطائفيين.
.