توخي الحذر في سن قوانين المستقبل
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٧ يناير ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
يمر على المجلس الوطني بغرفتيه عدد من القوانين المهمة ذات التأثير الكبير في المجتمع ينبغي توخي الحذر في التعاطي معها. فالوضع الذي تمر به البلاد حاليا هو نتيجة مناخ سياسي تستعد الدولة والقوى السياسية للخروج منه واحداث تغيرات تلبي طموحات الشعب ومقتضيات التنمية. وبالتالي فهو وضع متغير ولا يجوز ان نبني عليه قوانين تعرقل امكانية المجتمع في ايجاد حلول وإحداث التغيير الذي يعالج ما نتج عنه من مشاكل وفساد وتدني الاداء الاقتصادي.
هناك عدد من القوانين يتم مناقشتها نيابيا وشوريا استعدادا لاقرارها مثل قانون الجمعيات والاندية وقانون تنظيم دائرة الشئون القانونية وقانون الصحافة وقانون نشر المعلومات وقانون منع الشائعات. وجميع هذه القوانين لها علاقة بمستوى الحريات وحق الحصول على المعلومات وبالتالي القدرة على كشف الفساد والنجاح في الاصلاحين السياسي والاقتصادي. وبسبب الحالتين النفسية والعاطفية اللتين يتعرض لهما النواب في هذه الفترة فان هناك خطورة من سن قوانين بهدف السيطرة على وضع معين من دون اعتبار لتأثيرها المستقبلي في اضعاف المجتمع وقدرته على محاربة الفساد واحداث الاصلاح.
ناقش مجلس الشورى في الاسبوع الماضي المرسوم بقانون رقم (٥٠) لسنة ٢٠١٠ بتعديل احكام قانون الجمعيات والاندية الصادر في ١٩٨٩ وتصدى عدد من الشوريين واتهموه بانه اكثر تراجعا من القانون الذي كان سائدا في «عهد امن الدولة». يقول احد اعضاء الشورى انه «في القانون السابق لا يحتاج المواطن الى اذن من الوزير للانضمام الى اي جمعية والان في عهد الانفتاح يطالب القانون المواطن بالحصول على مثل هذا الاذن»، ويضيف ان ذلك يعتبر «تدخلا في حرية المواطن ويُعرض البحرين لضغوط دولية ووضع يخالف حقوق الانسان من الصعب الدفاع عنه». كما يرى شوري آخر ان المادة السادسة من المرسوم «تقيد المواطن وحريته، وان المواطن اعرف بجهوده واين يستطيع ان يتطوع» ولا يحتاج الى اذن من احد. وقد لخص شوري ثالث «إن هذا المرسوم يتضمن مواد سيئة تسيء إلى موقع البحرين الدولي، وتحرض المنظمات الدولية على التكالب ضدها بسبب التراجع الذي ستسجله في حال تطبيقها وخاصة أنها تقيد الحريات الفردية التي يصونها الدستور».
والقانون الثاني في هذه السلسلة هو «اعادة تنظيم دائرة الشئون القانونية» الذي يعطي هيئة الافتاء والتشريع صلاحية تفسير المواد القانونية والدستورية التي تختلف حولها السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية. يمنح هذا التعديل حق تفسير الدستور الى جهة ليست مستقلة عن السلطة التنفيذية. التبرير الحكومي هو ان هذا التفسير غير ملزم، والجواب لماذا ندخل في مثل هذين التأخير والتعقيد للاستحصال على تفسير غير ملزم؟ ويرى احد الشوريين ان «هذا التعديل يعتبر انتقاصا للسلطة التشريعية». في ظل المتغيرات الدولية يستوجب علينا ان ندرك ان العالم لم يعد منعزلا بل اصبحت الدول تخضع لنوع من القانون الدولي واتفاقيات ومعاهدات تلزم الدولة بان تُخضع قوانينها للاتساق مع الوضع القانوني الدولي.
القانون الثالث الذي يجرى الاعداد لاقراره هو قانون الصحافة. هذا القانون يعتبر من اهم القوانين في ترسانة المجتمع لمحاربة الفساد واحداث الاصلاحين السياسي والاقتصادي. تم عرض هذا القانون المرة الاولى في ٢٠٠٣ وتم عرضه في دورة ٢٠٠٦ و.٢٠١٠ في ٢٠١٠ اوضح جلالة الملك في احدى خطبه «اننا بحاجة الى قانون صحافة مستنير»، ومع ذلك فإنه لم يمر حتى الان ومازال تشوبه عبارات تحد من حرية الصحافة. بالرغم من ان هذا القانون يقر بمبدأ ان الصحفي لا يسجن كما لا يجوز مصادرة الصحيفة او إلغاؤها من السلطات لحماية حق النقد وحرية الرأي والاصلاح، لكنه ينطوي على بعض العبارات المطاطة التي تعطي السلطة التنفيذية حق التدخل من خلال عبارات «إلا للضرورة» او «إلا ضمن حدود القانون»، او «لا تجاوز ما لم يبح القانون ذلك». وهي تعبيرات تحد من حرية وقدرات الصحفي في التعامل مع الخبر والتعاطي مع الأحداث. وخطورة ذلك ان القوانين التي يحيل اليها هذا القانون هي من مخلفات فترة امن الدولة ولم يشارك المجتمع في صياغتها.
القانون الرابع الذي ينبغي الحذر في اقراره بما يتناسب مع تعزيز الديمقراطية وحرية التعبير هو قانون «حماية معلومات ووثائق الدولة». هذا القانون يهدف الى حماية وثائق الدولة بما في ذلك الجهات والشركات التي تسهم او تشارك فيها الدولة حتى لو كانت هذه المشاركة اقل من النصف. ان حماية الوثائق هي من واجبات السلطات وهي حالة مطبقة في دول العالم، ولكن السؤال هو كيف سيتم تحديد المعلومات التي تشكل خطرا على سلامة الدولة وامنها؟ وكيف نحد من سوء استخدام هذا القانون في منع المعلومات عن المجتمع؟ وهل هذا القانون هو خطوة استباقية لتقويض قانون حق الحصول على المعلومات الذي عرض على البرلمان ولم يقر حتى الان؟ الخطورة التي نراها هنا هي ان هذا القانون قد يحجب المعلومات عن المجتمع ويجعل من المستحيل اثبات اي حالات فساد او تجاوز ويمكن استغلال هذا القانون لحماية مثل هذه الحالات.
ينبغي توخي الحذر في اصدار مثل هذه القوانين. فمثلا في الاردن قبل عام تم اكتشاف عدد من حالات الفساد من خلال طرح تساؤلات في الصحافة تتعلق باستيلاء البعض على املاك، ولم يكن لدى الناشر اي دليل. ولكن نتيجة هذه التساؤلات تم التحقيق واكتشاف حالات فساد تورطت فيها شخصيات نافذة وتم تقديمها للمحاكمة. على اثر ذلك قدمت السلطة التنفيذية مشروعا بقانون لمنع نشر الشائعات في الصحافة. مثل هذا القانون هو حماية للفساد وسيكون حائلا دون كشف حالات مماثلة في المستقبل.
ما نود قوله هو ان هذه الفترة هي مرحلة حرجة تمر بها البلاد وينبغي ان نتوخى الحذر في الاندفاع نحو سن تشريعات لمعالجة وضع مؤقت سوف تتمكن البحرين بجهود ابنائها من تجاوزه وبالتالي لا ينبغي ان يكون المجتمع مثقلا بقوانين تكبل الحريات وتضعفه وتعوق تطوره السياسي وتعرض البحرين لاحراجات دولية هي في غنى عنها.
.