الصراعُ الاجتماعي مجدداً
 تاريخ النشر : السبت ١٩ يناير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
لم تنقشع بعد زوابعُ الأحداث الربيعية في الجناح الغربي للأمةِ العربية حتى بدا الخريف مبكراً عبر صراع القطبين الرئيسيين العمال والرأسماليين، في تلك الدول العربية فتفجرتْ الاضراباتُ القانونية وغير القانونية بمعدلات مخيفة، وراح العمالُ يدافعون عن مصالحهم وأجورهم المتبخرة بعد الأزمات والإفلاس والخسائر الرهيبة للاقتصادات الوطنية.
فلم تفد الشعارات والأسطوانات عن الوحدات الوطنية والتنظيمات الإسلامية وظهرت الفروق بين من وصل إلى السلطة ويقطف ثمار المناصب ويعيش في سعةٍ من العيش ومن ضحى وتظاهر وسهر الليالي الثورية وعاد إلى ظروفه وعوزه.
حقق الجناحُ الغربي شيئاً تقدمياً للأمةِ بفضل مقاربته المحدودة للديمقراطية الحديثة والعلمانية وبفضل وحدته، فيما المشرق العربي والسودان غارقان في التفكك المذهبي والصراعات اللامجدية غائبين عن التوحد.
وإذا واصل ذلك الجناحُ السمات الإيجابية ولم يغرق في خلافاته الاجتماعية عبر إعلاء الأنانيات الطبقية المؤدلجة مذهبياً ودينياً فإنه سوف يقدم نموذجاً قيادياً للجناح الشرقي للأمة الغارق في الصراعات الاجتماعية بلباسها الطائفي التفكيكي.
ليس ثمة أنظمة إسلامية أو مسيحية أو سنية أو شيعية بل هي كلها حكوماتٌ رأسمالية ذات أرجل عميقة غائصة في المحافظة، هي كلها للاستثمار وتجميع الأرباح وترجو الملايين أن يكون فيها مربع لحقوق العمال والفقراء.
هم لا يمتلكون الجرأة في إعلان حقيقة هويات الحكومات والأنظمة الجديدة، ونحن نرحب بحكومات رأسمالية تكشف هوياتها الطبقية بشجاعة ولا تتستر بمذهب ودين، وأن تعمل للأرباح ولشيء معتدل من الأجور ولخطط تنمية كبرى.
نحن نناضل من أجل حكومات رأسمالية معتدلة، وخاصة في الدول النامية، لأن العمال والمثقفين في الدول الرأسمالية المتطورة حان وقت أن يكونوا هم في الحكومات بدلاً من الرأسماليات الشائخة.
ولهذا على الرأسماليين الذين لا يزالون مع بقايا الإقطاع أن يجرؤا على الإفصاح عن هوياتهم الطبقية ورساميلهم المدفونة، ويجب تجاوز الصراع الاجتماعي باسم الإسلام والمسيحية واليهودية، وغيرها من المبادئ والأديان التي هي تراثٌ مشتركٌ لأهل المنطقة.
إن ظهور التوجهات على المكشوف أفضل من الخداع، والرأسمالية تشكيلة تظل لقرون وذات آثار ومنافع كبيرة ولكنها لا تستطيع أن تكون للأبد، ولابد من درسها وتطويرها، عبر رؤية الجوانب الايجابية والسلبية فيها، فهي نوع من المخلوقات الاجتماعية المرحلية، مثلها مثل العبودية، والعبودية على سوئها قامت بأعمالٍ مهمة، وتاريخية مشهودة، لكن العبيد قاموا بثورات مدمرة، لأن ملاك العبيد لم يعترفوا بأنها تشكيلة مؤقتة، مهينة للإنسان.
فعلى الدينيين الذين وصلوا إلى السلطات في الدول العربية ألا يخدعونا بتسميات حزب النهضة الإسلامية وحزب العدالة الاسلامية فهم رأسماليون يسعون إلى مصالحهم ومن حقهم ذلك، لكن عليهم أن يبرمجوا تنظيماتهم سياسياً ويقاربوا الطبقات التي يعبرون عنها، بدلاً من السديم الاجتماعي. كلمات مثل العدالة هي من الكلمات المثالية، وهي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لا تعني شيئاً واقعياً، والعدالة كلمة مثالية لا يمكن أن تُطبق خاصة في غياب ممثلي الطبقات العاملة، فلا يمكن أن تقارن الأرباح بالأجور، والقصور بالشقق، والحارات المكتظة بالأحياء الفخمة، والتهام أغلب مقاعد البرلمانات بإزاحة ممثلي الطبقات الشعبية منها.
قبل أن يجف حبر الثورة قفزوا للثروة، وهم يكتبون الدستور الجديد كانوا يفتتحون المرافئ المالية ويوسعون الشركات الخاصة وتتفجر الاضرابات حولهم.
هذا بداية خداع، ونسف للجبهات المشتركة وأكل للكعكة بفم طرف واحد، وقد استغلوا الدينين الإسلامي والمسيحي من أجل هذا الخداع، والقفز لتملك الشركات الحكومية، وتحديد سقف الأنظمة القادمة، فاتحين الطرق لمشكلات كبرى. أما ممثلو اليهودية فيرفضون حتى العيش المشترك المتساوي مع أهل البلد الأصليين.
لقد اقترب ممثلون نادرون للعمال والمثقفين من البرلمانات الوليدة لكن الرأسماليين الدينيين اكتسحوها، بفضل إنجازات الدكتاتوريات السابقة والمساعدات المالية من بعض دول الخليج، وهذا يعني ان تفجر الاضرابات سوف يستمر، ويقوض التحالفات الاجتماعية التي نشأت في الثورات بصعوبات رهيبة، بعد أن غيّب الدينيون التحالفات وصعدوا وحدهم مزيحين رفاق الطريق والوفاء بالعهد!
لكن على الأقل ان دول شمال إفريقيا أفضل من المشرق العربي الإسلامي الذي يخترقه صراعٌ طائفي إسلامي، وصراعٌ ديني إسلامي يهودي، وهم المتحكمان في الظروف والأجور والحدود والبُنى الاقتصادية النازفة من الأزمات، ويبدو أن الخطر أكبر، والحماقة الحكومية الإيرانية تدفع المشرق للمزيد من الكوارث التي تستغلها حكوماتٌ عديدة لبقاء الأوضاع كما هي من جمود ونقص ديمقراطية ومن تغلغل في البحار وهيمنة على النفط.
حققت دولُ الجناح الغربي درجة من التحول الحديث لكنها بعد لم تجذرها، أما دول المشرق فأمامها أخدودٌ عظيم من التمزقات الطائفية الملتبسة قومياً بالصراع العربي الفارسي، فهي تمثل درجة أكبر من رفض الحداثة والديمقراطية والعلمانية، ويتفاقم ذلك نحو مواجهات خطرة، لكن مهما كان فإن تجاوز العقبة الكبرى وهزيمة المشروع الطائفي الكبير سيعني بداية تقارب هذه الدول على أسس جديدة، والتحام الشعوب وتطورها الداخلي الديمقراطي الوطني المشترك لكي تحدث درجة متقاربة ديمقراطية تحديثية من تطور شعوبِ الأمة العربية في كلا الجناحين.
.
مقالات أخرى...
- النظر إلى جهةٍ واحدة - (18 يناير 2012)
- ثقافةٌ تحبو على الرمال المتوهجة - (17 يناير 2012)
- الثورة السورية.. تفاقمُ الصراعِ وغيابُ الحلِ - (16 يناير 2012)
- سببياتُ انهيارِ الوعي التحديثي - (15 يناير 2012)
- الأفكارُ والمراحل التاريخية - (14 يناير 2012)
- صناعةُ الزعامةِ في المرحلةِ الطائفية - (13 يناير 2012)
- خلاصة الأنواع الأدبية العربية(٢-٢) - (12 يناير 2012)
- خلاصة الأنواعِ الأدبية العربية (١-٢) - (11 يناير 2012)
- طريقان نحو الحداثة العربية الإسلامية - (10 يناير 2012)