الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥١ - الاثنين ١٦ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٢ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الثورة السورية..
تفاقمُ الصراعِ وغيابُ الحلِ





تعمقت الثورةُ السوريةُ وغدتْ أشبه بأزمةٍ مستعصية على الحل، وفيما قارب الثوارُ الانتصارَ، توسع دور أجهزة السلطة القامعة ومناوراتها السياسية الداخلية والخارجية.

الأحداث عصفت بأغلبية المدن وبهوامش وأرياف مدينتي دمشق وحلب، والصراع الاجتماعي المشدود ظل بتركيبته السكانية نفسها، ولم يستطع التوغل في عمق المدينتين الرئيستين مما يعني غياب مساندة فئات كبيرة للتغيير، وضخامة حضور الأجهزة العسكرية في كل المدن والقرى، وتحولها إلى حربٍ مفتوحة ضد السكان، الذين أثروا في قطاعات من الجيش التي انضمت إليهم، فبقي الميزان السياسي متأرجحاً.

كذلك لعب بعض الدول العالمية كروسيا والمناطقية كإيران والعراق أدواراً من التدخلات المتعددة الأشكال ضد الشعب السوري في ثورته، المعتمدة على المظاهرات السلمية، فالسلاح يتدفق من روسيا وإيران، وتقف حاملة طائرات روسية ضد ثورة الشعب السوري مما يذكرنا بالأساطيل الأمريكية والغربية وهي تواجه ثورات الشعوب العربية في سنوات غابرة!

جماعاتٌ من المقاتلين والقامعين تتدفق من العراق ولبنان، وقد ظهر هنا صراع المحورين العربي والإيراني السوري بشكلٍ فاضح خطر.

القوى الشمولية العالمية قوى روسيا وإيران لا تريد أن تتدفق الثورة الديمقراطية العربية وتحاصرها بقوة الآن في حلقتها الراهنة.

فيما وقف العالم الغربي غير رافض للثورات العربية وهي تتوجه إلى بعض مصالحه وتهدد بعض حلفائه، لكون أهدافها التحولية السياسية الديمقراطية الراهنة لا تتناقض مع أهدافه بل على العكس تخدمها.

فيما على العكس يقف بعض الدول الشمولية الشرقية رافضة تحول سوريا إلى بلد ديمقراطي!

نعم فسوريا حليف عتيد للدكتاتوريات الشرقية بأشكالها التي لم تعدْ قادرةً على التحول في تطور التاريخ الراهن. وكل قوى وحلفاء هذه الدكتاتوريات يتأثرون ويتضررون، بينما البلدان الأخرى التي لم تغير دكتاتورياتها آثرت المضي في ليبراليات ما، تظل أقل سوءاً من تلك الدول التي تهدد العالم بقواها العسكرية وبرامجها الخطرة والعالم مأزوم اقتصادياً وسكانياً وفي موارده وأنفاسه!

سوريا حلقة الصراع الكبير بين المحورين العربي من جهة والإيراني السوري من جهةٍ أخرى، وبتغيير سوريا لا يكون ثمة قلعة كبيرة للدكتاتورية العسكرية الخطرة سوى إيران، ومن هنا ينفتح أفقُ التحولات في عمق آسيا، وتُهددُ روسيا في خاصرتها، وتتحرك موجاتُ الأسواق الحرةِ السونامية الديمقراطية إلى قلاع الاستبداد في آسيا!

فكيف يعارض الغرب هذه الطوفان الشعبي إذا كانت شركاته سوف تزدهر؟

ومن هنا غدت سوريا مركز صراع الرأسماليات الشرقية الشمولية والرأسماليات الغربية كذلك، لكنها أقل قيمة نفطية من ليبيا، كما أن تحولها لجمهورية ديمقراطية مفتوحة للقوى الدينية السنية المضادة لإسرائيل التي قبلت الديمقراطية والتعددية، والملتقية مع الانتصار الوطني نفسه في مصر، كافٍ لإثارة شبح ألف صلاح الدين جديد!

إنهم التوحيديون يطلون ثانية ووراءهم الملايين هذه المرة فكيف لا تفزع إسرائيل؟

إنها لحظة تاريخية كبرى وخطيرة، السكان العرب البسطاء أرعبوا عاصمة الحروب في المنطقة: إسرائيل، التي ليس لديها برنامج غير العنف، وغير قادرة على إدخال التعديل الديمقراطي في النص التوراتي، حيث يظل اليسارُ العلماني مشروعَ حلمٍ رغم التاريخ الطويل للجيتو الإسرائيلي وجذوره في القرن العشرين.

ولهذه الأسباب لم يكن ثمة استعجال غربي تجاه دوس السوريين بالدبابات وضرب الأزقة والقرى بمدافعها، مشاهد تعيد إلى الذاكرة الغزو الهتلري لروسيا السوفيتية، التي انقلبت مؤيدة لحاكم دمشق، ولا ترى أطفال الأرياف السورية المعدمة وهم تُقطع أوصالهم!

الغربيون يخافون على إسرائيل من التحولات غير المحروقة على نارٍ هادئة وقودها الناس والحجارة، وقتل الآلاف لا يثير مثل قتل صحفي واحد، وجبهة الجولان هادئة، والجيش السوري العظيم يتحول إلى بوليس وقتلة وفارين وثائرين. فليس ثمة أفضل من هذه الحالة لجيش عربي يهدد عاصمة العنف في المنطقة.

كذلك لعبت الجامعةُ العربيةُ دوراً مخزياً في مرمرطة قضية الشعب السوري، والعالم كله يرى ذبح الناس في الشوارع إلا بعض دول الجامعة التي تريد أن تتحقق من التزام حكومة القتلة بالاتفاق المبرم بينهما في عدم ذبح الشعب بشكل مكشوف! فصارت المهمةُ لعبةً سقيمةً وخطرة على أفراد بعثة تقصي الحقائق هذه نفسها قبل الناس.

فدخلنا مع دول عربية تخاف هي الأخرى من انهيار الشموليات العسكرية، وتخضع لضغوط الدول الإقليمية والعالمية بضرروة هزيمة نضال السوريين.

فيما قوى الثورة السورية هي نفسها متأرجحة بين جناحين، ولم توجد إرادة شديدة الصلابة تعكس التباين الاجتماعي بين برجوازيي المحلات الفاخرة في دمشق وحلب وبين الجماهير العمالية والفلاحية في المدن الصغيرة والأرياف والبوادي الشاسعة.

إنها دولةٌ دموية تضربُ البيوت والبشر بالمدافع فكيف تواجه بشكل سلمي؟ والانشقاق العسكري لا يكفي من دون قوى عربية وإسلامية وعالمية عسكرية مساندة لأحرار سوريا ضد الفاشية تضربها وتكسرُ عظامها!



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة