الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٧ - الأحد ٢٢ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٨ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


من المستفيد من إضعاف صوت المعتدلين في المجتمع؟





حين يكتب تاريخ البحرين المعاصر بأيد أمينة سوف يسجل من ضمن ما يسجله من مآس عن أزمتنا الراهنة التي تفجرت مع ذكرى الميثاق الوطني في ١٤ فبراير ٢٠١١ إضعاف دور المعتدلين في المجتمع، في مقابل ارتفاع أصوات المتطرفين من كل الأطراف السياسية الذين فقدوا اتزانهم وعادوا إلى جاهليتهم، وهم اليوم يأخذون المجتمع برمته رهينة لأوهامهم وعقدهم وأمراضهم ومشاريعهم التفتيتية التي أرجعتنا إلى الوراء عقودا وأخرتنا في كل المجالات وبعثت الأحقاد البدائية الكريهة على أسس طائفية وعرقية ومناطقية، وهي تعيد إنتاج الأحقاد في وسائل الإعلام والاتصال والتواصل كل يوم، ولن يرضى أي طرف من تلك الأطراف بأقل من أن يسلب الفرد وبالتالي المجتمع إرادته كاملة ويصادر حريته في التفكير والتقرير أو يأذن بالحرب عليه باعتباره عدوا «فإذا لم تكن معي فأنت ضدي».

ومن يستقرئ تاريخ البحرين منذ القدم يجد أن للمعتدلين من رجال الدين والأعيان والتجار دورا محوريا في الحل، فقد شكلوا بيضة القبان أو رمانة الميزان في المجتمع رغم المحن التاريخية التي مرت به وكان لهم دور في حل المشكلات وحقن الدماء وتهدئة النفوس ليتمكن المجتمع من النهوض من كبواته والسير بشكل اعتيادي من جديد، وكانوا عامل استقرار ودليلا على صحة المجتمع وشاهدا على عافيته رغم قسوة الأحداث وما مرت به هذه البلاد من محن في الحقب التاريخية الصعبة والمظلمة التي احترب فيها الناس وأريقت فيها الدماء.

ولعل أقرب الأمثلة التاريخية على دور المعتدلين للتوسط في حل مشكلات المجتمع السياسية والأمنية الكبيرة هو تشكيل اللجنة الشعبية التي ضمت نخبة من العلماء والتجار والأعيان في عام ١٩٩٥ حين تفاقمت الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد. وقد التقت تلك اللجنة الأمير الراحل المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في ذروة أحداث التسعينيات التي شب حريقها مع شهر سبتمبر ١٩٩٤ كما التقى أعضاؤها أقطاب الحكم في البحرين لتهدئة الأوضاع وإنقاذ البلاد، من منطلق الشعور بالمسئولية الدينية والوطنية والإنسانية، وواصلت تلك اللجنة عملها مع الحكومة بعد أن قسمت عملها إلى جزأين «عاجل» و«آجل»، وتواصلت لقاءات اللجنة مع الأمير الراحل ومع أقطاب الحكم في البلاد لحل المشكلة البحرينية آنذاك. ولم تكن الأرض ممهدة أمام تلك اللجنة التي أرادت أن يكون الحل «صناعة بحرينية» بامتياز، ولم تكن الدروب مفروشة بالورد والرياحين أمام شخوصها، بل كانت مغطاة بالشوك والصبار والألغام، فقد شنت عليها حملة إعلامية شرسة في الداخل والخارج من لندن، وطهران، وقم، ولكن رغم التصعيد الإعلامي الخطر ضد اللجنة وتشويهها الذي قاده «أفندية المعارضة» و«مشايخها» واصلت عملها، واصلت وهي توصم بأقذع الألفاظ في القاموس السياسي والحزبي من قبل الذين يريدون احتكار الحل وابتزاز المجتمع، ومن جملة ما قالوه عن اللجنة إنها لا تمثل شعب البحرين وأن الحوار يجب أن يكون مع جماعة سياسية أخرى هي التي تمثل شعب البحرين وتعبر عن مطالبه الحقيقية، ليرد الناطق باسم اللجنة الشعبية سماحة الشيخ سليمان المدني رحمه الله في خطبة الجمعة ما مفاده إننا لم نقل إننا نمثل شعب البحرين، ولكننا جزء من هذا الشعب نسعى لحل مشكلاته، ولكن من يدعي تمثيل البحرينيين بينما لا يوجد استفتاء ولا انتخابات فهو يكذب على شعب البحرين.

ورغم كل الأحجار الكبيرة والصغيرة التي ألقيت في طريق اللجنة وبالتالي في طريق الحل توصل الطرفان إلى مجموعة من الحلول والإصلاحات التاريخية التي استفادت منها البحرين إلى يومنا هذا، كل ذلك كان بفضل الحوار الجاد وحسن النيات وإرادة الإصلاح والصبر وثقة أعضاء اللجنة في بعضهم بعضا وثقتهم بالقيادة السياسية بالإضافة إلى التكتم وتغليب المصلحة العامة وعدم اللجوء إلى الإثارات في وسائل الإعلام.

وكم كنت أتمنى أن تحذو اللجنة الشعبية التي تداعى لها بعض الأعيان في أعقاب أزمتنا الراهنة قبيل انطلاق حوار التوافق الوطني في العام الماضي ٢٠١١ حذو لجنة التسعينيات لولا أن تلك اللجنة طالت وعرضت وتشعبت ونبت لها أكثر من رأس واختلفت الرؤوس وامتلأت الصحف ووسائل الإعلام بتصريحات أعضائها وتناقل الناس أخبارها في المجالس والمنتديات الواقعية والافتراضية قبل أن تلتقي أحدا من أقطاب السلطة، ويبدو أنها ماتت قبل أن تولد أصلا.

واليوم ورغم حجم الاصطفافات التي رافقت الأحداث الأمنية والسياسية التي انطلقت شرارتها الأولى في فبراير الماضي ٢٠١١ ورغم رمزية كثير من الشخصيات التي فقدت صوابها وكشفت عن وجهها مبكرا مازلت أعول على الاعتدال والمعتدلين في البحرين للخروج بالمجتمع من النفق المظلم الذي تمر به، وهم موجودون رغم كل الصخب والضجيج الذي يحدثه المأزومون أصحاب الحلول المستوردة، موجودون رغم ارتفاع دخان الحرائق في قرى ومدن البحرين، تعرفهم الدولة كما يعرفهم الإنسان البحريني البسيط المفترى عليه طوال الوقت، الراغب في وقف المهزلة التي تزهق فيها الأرواح وتقطع فيها الأرزاق وتخرب البلاد والتي يقودها السياسيون والحزبيون الذين إن بقي الأمر في أيديهم فسوف يكملون تدمير هذا المجتمع وسيقفون على ركامه كالغربان.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة