الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٧ - الأحد ٢٢ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٨ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الفوضى العمرانية





مثل معظم البحرينيين تكبد المواطن «علي» القروض العقارية الربوية من أجل شراء بيت العمر، ولأنه بيت العمر فأخذ يفكر مليا في الموقع الأمثل لهذا البيت، ويفاضل بين المناطق والمحافظات، حتى اهتدى إلى موقع استراتيجي وهادئ يصلح لبناء منزل العمر، وبالفعل دفع أموالا طائلة لشراء منزل يضم عائلته الكريمة. وكما لا يخفى على الجميع أسعار العقارات المرتفعة التي لا تريد أن تهبط مهما توقع لها الخبراء الاقتصاديون ذلك، وكما يعلم معظمكم الفوائد التي سيدفعها «علي» للبنوك، حيث انه سيقضي الثلاثين سنة القادمة من حياته (إذا كتب الله عمرا) يسدد ٨٠% من راتبه أي ما يقارب (٩٠٠) شهريا، ولكن لا يهم مادام هذا الشيء سيؤهله لاقتناء بيت العمر.

وبالفعل تسلم «علي» مفتاح البيت، وكانت السعادة تغمر أرجاء هذا المنزل، فالبيت غاية في الروعة والسعة والمنطقة هادئة وبعيدة عن الازدحام وآمنة لأبنائه وزوجته ، قضى علي الأشهر الأولى في هذا البيت على خير وسلام..إلا أن دوام الحال من المحال، فبعد أشهر شاهد الأرض الكبيرة المقابلة لبيته مسورة..سأل هنا وهناك حتى قيل له انه مشروع سكني لذوي الدخل المحدود، (شوية شقق، على شوية بيوت )، وعلى الرغم من امتعاض الأخ «علي » من موضوع الشقق الكثيرة والبيوت التي ستشوه المنطقة، فإنه لا يستطيع أن يتحكم في هذا الشيء، وبعد أشهر أخرى شاهد أرضا مسورة أخرى فعلم أن مسجدا سيبنى في هذه المنطقة، وعلم كذلك أن أحد جيرانه قرر أن يقلب بيته هو الآخر إلى «حسينية»، وأن أرضا كبيرة أخرى مسورة على ما يبدو أنها مدرسة ..

فثار جنون علي، وأخذ يندب حظه على اختياره هذه المنطقة التي كان يسوق لها بأنها منطقة نموذجية وهادئة، فأي هدوء والمصلون يسدون باب منزله في أحيان كثيرة؟ وأي هدوء، وصوت مكبرات الصوت يرغمه على سماع ما يدور في «حسينية» جاره؟ وأي هدوء وجرس المدرسة يصيح في أروقة منزله؟ وأين النموذجية في الموقع بعد أن أصبحت المنطقة مزدحمة بالمصلين والطلبة وأولياء الأمور؟ وأين دور التخطيط العمراني في كل هذا؟

«علي» ليس الا نموذجا لمواطن يعاني سوء توزيع الخدمات في المناطق السكنية، وأعتقد أن حاله أفضل بكثير من أناس يعيشون بالقرب من كراجات مثلا، أو من «زرايب» أعزكم الله، أو من محطات المجاري.

أومن بأن كل منطقة سكنية يجب أن تكون لها خدمات معينة، ولكن الخدمات يجب أن توضع في مكانها الصحيح، فلا يعقل أن نرى بيوتا في وسط منطقة صناعية، أو نجد مسجدا من دون مواقف كافية، أو مدرسة أو «حسينية» ملاصقة لبيت، ، فعلى الرغم من ضرورة وجود كل ما ذكرته من مرافق في المناطق السكنية فإنها يجب أن تكون مجاورة وليست ملاصقة.. فعلى سبيل المثال لا الحصر في دولة الكويت الشقيقة، يوجد نظام القطع، أي أن كل منطقة يرمز إليها بقطعة.. ولكل قطعة مدرسة ومسجد، وجمعية فيها جميع المواد الغذائية، وخباز ومحل كي الملابس..فلم أجد في الكويت «برادة» بين بيتين أو في كراج المنزل مثلا، أو «كراجا» بين البيوت.

لا أعرف من هي الجهة المسئولة عن هذه الفوضى العمرانية، أهي وزارة البلديات، أم المجالس البلدية، أم الإسكان، أم الأوقاف؟

لكني أعرف أنها فوضى يجب أن تحل في أسرع وقت ممكن.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة