الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٩ - الثلاثاء ٢٤ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٣٠ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


لماذا ترفض «تشريعية» النواب هيئة مكافحة الفساد؟





في مقالنا السابق «أخبار الخليج/ ١٧ يناير» تطرقنا الى عدد من المراسيم والقوانين التي مررها مجلس النواب بالرغم مما فيها من تراجع في مستوى الحريات،من بين هذه القوانين قانون الجمعيات والاندية الذي ناقشه مجلس الشورى واعترض عدد من الشوريين على ما تضمنه من الزام الموظف بأخذ اذن الوزير للانضمام الى جمعية ما، وعلق احدهم بأن مثل هذا الاجراء لم يكن مطلوبا حتى في ايام قانون امن الدولة، كما مرر النواب مرسوما بقانون يمنح دائرة الشئون القانونية حق تفسير مواد دستورية وهي جهة تابعة للسلطة التنفيذية، ومرة اخرى اعترض مجلس الشورى ومرره النواب.

السؤال الملح الآن هو كيف تمر مثل هذه القوانين على مجلس النواب وهو الجهة المفترض ان تكون الراعية للحريات التي تمثل المجتمع ومن المفترض كذلك ان يكون النائب اكثر حرصا على حرية المواطن وعلى تقوية ادوات المجتمع الرقابية وقدرته على المساءلة والمحاسبة؟

ان تمرير مثل هذه القوانين يدعو الى الريبة والتساؤل هل فعلا هؤلاء نواب الشعب؟ وعند الاستفسار من احد النواب عن سبب تمرير مثل هذه القوانين، تعذر بأن هناك احراجا في رفض مرسوم، وهذا جواب لا اعتقد انه مقبول لدى اي مواطن وضع ثقته في مجلس النواب، فاذا تحرج النائب من ممارسة حقه الدستوري في مناقشة مرسوم، فكيف سيتصدى مثل هذا النائب لقضايا كبرى مثل الفساد واستجواب وزير او طرح الثقة؟ وهل سيكون الاحراج هو المعيار؟

هذه المقدمة نسوقها لبيان ان النواب قد لا يكونون موفقين في كثير من قراراتهم، ليس لجهل او غفلة ولكن بسبب سوء تقدير ومتأثرين بالظروف الحالية التي تمر بها البلاد، وقد اكد لي احد النواب ان هذا المزاج العام موجود لدى النواب، والدليل على وجود هذ المزاج المفرِّط في مصلحة المجتمع هو رفض تشريعية النواب انشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد. علل النواب ذلك بأنهم اعتمدوا على رأي مستشار «جهة مختصة» أَفْتت لهم بأن المعاهدة الدولية لا تلزم الدول بانشاء مثل هذا الجهاز وهو اختياري. اما المستشار القانوني النيابي فيعلل ذلك بأن وجود هيئة لمكافحة الفساد في البحرين قد يعطي صورة للخارج بأن لدينا فسادا. لا اعتقد ان هناك دولة لا يوجد بها فساد واخفاء ذلك او تجاهله او التظاهر بعدم وجوده هو كمن يدفن رأسه في التراب.

اما فيما يتعلق بعدم وجوب انشاء الهيئة بموجب المعاهدة الموقعة مع الامم المتحدة، فنقول حتى لو لم تكن هناك معاهدة او اي الزام دولي، الا يتطلب الفساد ايجاد مثل هذا الجهاز؟ فحالات الفساد موجودة في تقارير هيئة الرقابة المالية والادارية على مدى ثماني سنوات من دون ان يتغير سلوك المفسدين والمتجاوزين والحالات التي كشفها مجلس النواب كفيلة بأن تجعل وجود مثل هذا الجهاز حاجة ملحة وضرورة اساسية يطالب بها النواب انفسهم.

عودة إلى الاتفاقية التي يرى النواب انها لا تلزمهم فان المادة السادسة تنص بأن «تكفل كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، وجود هيئة أو هيئات، حسب الاقتضاء، تتولى منع الفساد، بوسائل مثل تنفيذ السياسات المشار إليها في المادة (٥) من هذه الاتفاقية، والإشراف على تنفيذ تلك السياسات وتنسيقها، عند الاقتضاء» كما تنص المادة على «زيادة المعارف المتعلقة بمنع الفساد وتعميمها»، على ان تمنح كل دولة ما يلزم من «الاستقلالية» لتمكين الهيئة من القيام بوظائفها «بصورة فعالة وبمنأى عن أي تأثير لا مسوغ له».

الهيئة التي تنص على انشائها هذه الاتفاقية تقتصر مهمتها على وظيفة الوقائية او المنع. اما في البحرين في وضعنا الراهن فنحن بحاجة الى هيئة لديها من الصلاحيات لتقوم بثلاث وظائف مطلوبة لمكافحة الفساد بشكل فعال على غرار ما هو موجود مثلا في هونج كونج او استراليا او سنغافورة أو غيرها، وجميع هذه الدول لها مراكز متقدمة في مؤشر مدركات الفساد. بالاضافة الى الوظيفة الاولى كحد ادنى والمتمثلة في المنع والوقاية من خلال اقتراح التشريعات التي تعزز الشفافية في التعاملات وفي الموازنات الحكومية وفي التعامل مع ايرادات واملاك الدولة وتفعيل قانون كشف الذمة المالية، فإن الهيئة المطلوبة في البحرين يجب ان تقوم بوظيفتين اخريين هما الكشف والتحري من خلال عمل شبيه بالعمل الاستخباري، والوظيفة الثانية هي الردع من خلال صلاحيات المقاضاة عن طريق النيابة العامة.

بالاضافة الى هيئة مستقلة تقوم بكامل وظائفها، فان النجاح في مكافحة الفساد يتطلب ان تُمنح هذه الهيئة الصلاحيات الكافية لتحريك قضايا جنائية ضد المتهمين. واستكمالا لمنظومة مكافحة الفساد يتطلب الامر سلطات برلمانية لمساءلة مؤسسات السلطة التنفيذية واستقلالا قضائيا ونيابيا بحيث يمكن ان يحاسب ويقاضي، كما يتطلب حرية اعلامية وحق الحصول على المعلومات لكي يتمكن المجتمع من تعقب الحالات المشتبه فيها.

واخيرا يتطلب الامر سن تشريعات تقنن استخدام وادارة الموارد المالية والطبيعية وتحميها من العبث والقرارات الارتجالية والقوانين المجيرة. مثل هذه المنظومة لا يمكن ان تكتمل في ظل برلمان يتحرج حتى من استخدام حقه الدستوري.

ان اداء البرلمان هذا يجعلنا نعيد النظر في مطالبتنا بالحاق ديوان الرقابة المالية والادارية به، ومن الافضل الحاقه بمجلس الشورى حتى إشعار آخر



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة