الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٩ - الثلاثاء ٢٤ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٣٠ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


نحو تعزيز «المشتركات العامة» في إطار التوافق الوطني





هذان العبث الكبير والاختلال في كيفية ممارسة الحراك السياسي، جعلا شعب البحرين يعيش مخاضا شديد العسرة نحو ما يقارب عاما واحدا، وحالة من الانقسامات واهتزاز الثقة، جميعها ألقت بتبعاتها على مناحي الحياة، إلى أن وصل الأمر إلى حالة من التوتر والضبابية.

بالتأكيد، هذا ما يُعنى به البيان الذي أصدرته اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي أرادت ببيانها أو من خلال المؤتمر الصحفي لرئيسها احتواء المناوشات القادمة كافة، ولكن هل أصابت اللجنة أم أخطأت؟

نقف ويقف الجميع أمام محتوى البيان، فاللجنة من خلال محتواه وضعت عددا من الاقتراحات حول «التسامح الديني والسياسي»، ولكن هل درست اللجنة الآثار التي ستتركها هذه المقترحات على الطوائف الدينية اذا ما تم الاخذ بها وتطبيقها خلال العام الدراسي؟

ان ما اوصت به اللجنة في بيانها الأول من اقتراحات، قد تناول مجموعة من الجوانب شبه الاساسية في الخلاف الحاصل بين الحكومة والمعارضة، التي تركز في مجملها في جانب اصلاح المناهج التربوية من اجل «زرع نهج القبول بالآخر، ونبذ الذهنية القائمة على رفض التنوع الطائفي والاثني والثقافي في البحرين على مر التاريخ».

يخيل إلي أن البيان لامس من جانب جزءا من إصلاح مشكلة «الموروث التعليمي والتربوي» وهذا امر كان لابد ان يحصل منذ بداية المسيرة التعليمية في البحرين، كما انني لا اعتقد استحالة تحقيقه إذا التزمت الاطراف والنخب السياسية والدينية كافة بأهمية التنازل والتغيير لمصلحة الوطن.

ولكن لو تفحصنا ما تضمنه الجانب الآخر من البيان، فإننا سوف نصل الى قناعة، انه اعترف بأن اجيالا كثيرة استقت ثقافتها وعاداتها الإسلامية من «مغالطات» في مناهج التعاليم الإسلامية، كأن البيان يقول لنا ان هذا هو سبب الحالة التي نعيشها من تصدع في اللحمة الوطنية وإذكاء روح الطائفية المذهبية.

اذا كان هدف اقتراحات اللجنة حل «المشكلة السياسية» بين المعارضة والحكومة، فإننا لا نعتقد ان الشعب سيعارض «إعادة صياغة مناهج التربية الاسلامية» بما يتوافق مع ما سماها البيان «المشتركات العامة بين ابناء البحرين كافة».

وليكن معلوما ان شعب البحرين قائم على تعددية الأديان والمذاهب، وليس على التعددية «الإثنية» كما ذكرها البيان، إذاً فهل إذاً ستقبل التيارات المذهبية السنية أو الشيعية أن تكون المناهج الدراسية حاوية «المشتركات العامة بين ابناء البحرين كافة» بما فيها مشتركات البهائية والاباضية والزيدية وتدريس المسيحية واليهودية والبوذية وغيرها من الديانات التي يعتنقها مواطنون بحرينيون يتكونون من أمم شتى؟

نعم، تكمن هنا أهمية المزيد من التوضيحات من قبل اللجنة للشعب، فبعد أن نشرت بيانها في الصحافة، فإن البلاد لا تحتمل المزيد من التأويلات والتفاسير التي تؤدي الى حساسيات شديدة تكون نتائجها باهظة الثمن على المواطن والوطن بطوائفه و«تنوع مكوناته».

إن التناقضين الديني والفكري اللذين خلفهما البيان ملموسان، فالبعض اعتبر التعامل معه «تحصيل حاصل» ومنتهيا منذ صدوره، وآخرون اعتبروه بالونة اختبار لمعرفة رد الجهات المعنية، لكني أرى انه كان من الاولى ان يتم التأني في اصداره، حتى تتم معالجة الموضوعات الاساسية لأزمة المجتمع.

بدوري أومن بشدة بأن ازمة البحرين سوف تنتهي، ولكن بعد ان يتم وضع الحصان أمام العربة، لنظهر بصورة يحترمنا فيها العالم أكثر من ذي قبل، بعد ان نصل الى توافق وطني اشمل.

* مستشار هيئة المجلس العالمي للصحافة



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة