الجمهوريون والرئيس (أوباما) وأصوات اليهود
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ يناير ٢٠١٢
بقلم: د. أسعد عبدالرحمن
وفر النظام الديموقراطي الأمريكي للمنظمات اليهودية فرصا واسعة للتأثير في صناعة القرارات الأمريكية على مختلف المستويات، ففي انتخابات الرئيس وأعضاء الكونجرس وحكام ومجالس الولايات ورئاسات ومجالس البلديات، تفوق نسبة تأثير الصوت اليهودي نسبة اليهود العددية في المجتمع الأمريكي، على العكس تماما من تأثير مصوتي معظم الأقليات الأمريكية الأخرى، وبخاصة ذوو الأصول الإفريقية والعربية والإسلامية. ذلك أن اليهود يتركزون في الولايات ذات الثقل في الانتخابات الرئاسية: يشكلون ١٠,٨% من ناخبي ولاية نيويورك، و٥,٩% في نيوجيرسي، و٤,٨% في واشنطن العاصمة، و٤,٧% في فلوريدا، ونسبة ذات أثر في ولايات كاليفورنيا، وبنسلفانيا، والينوي. فضلا عن ذلك فهم من أكثر الاقليات الأمريكية تمركزا في المدن (١٦% من سكان نيويورك، و١٩% في منهاتن، وبروكلين أهم أقسامها) مما يكسبهم أهمية نسبية في نظر المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية والكونجرس والبلدية.
اليوم، يحاول الجمهوريون البحث عن تأييد جماعات المصالح وعلى رأسها جماعة الضغط اليهودية المعروفة بمهارتها وقدرتها على حشد التأييد للمرشحين الذين يحققون مصلحة اليهود الأمريكيين أولا وإسرائيل ثانيا، ولربما العكس، لكن تتجلى عادة صعوبة جذب تأييد الجماعات اليهودية للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية في واقع لا يمكن الفكاك منه وهو أن اليهود عامة يفضلون التصويت للمرشح الديموقراطي في انتخابات الرئاسة أكثر من تفضيلهم إعطاء أصواتهم للمرشح الجمهوري. هذا، رغم كون تصريحات ومواقف الجمهوريين الأمريكيين كانت الأكثر اصطفافا إلى جانب إسرائيل، ففي كل انتخابات أمريكية، يستخدم المرشحون الجمهوريون الراغبون في الوصول إلى البيت الأبيض القضية الفلسطينية للترويج للانتخابات ولحشد أصوات الأمريكيين خاصة الأصوات اليهودية منها. ولربما يكون أكبر مثال على ذلك هو (نيوت جينجريتش) الذي وصل إلى أسفل درجات التطرف الأمريكي في تصريحاته ضد الفلسطينيين، متوسلا كسب ود اليهود الأمريكيين إلى صفه، فقد اعتبر «ان الفلسطينيين شعب قد تم اختراعه وهو شعب إرهابي»، بل إنه عاد وأكد أنه لن يتراجع عن تصريحاته هذه. لكن المؤكد أن (جينجريتش) ليس الوحيد بين المرشحين الجمهوريين الذي يسلك طريق «تعظيم» إسرائيل للوصول إلى أصوات اليهود.
فقد لوحظ أن كل المرشحين الجمهوريين يلجأون إلى ذات الطريق. هناك، الآن، أربعة مترشحين لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري، ظهروا جميعا في السادس من ديسمبر الماضي أمام ما يعرف بـ«التحالف اليهودي الجمهوري» في إطار حملتهم الرامية اجتذاب الأصوات اليهودية. وكما يقول (جيمس زغبي) رئيس فريق العمل الأمريكي في فلسطين، في مقال له بعنوان «نفاق المرشحين الجمهوريين»: «كانت الجائزة الحقيقية التي اجتذبت المرشحين إلى الاجتماع هي أصوات الـ ٤٠ من الناخبين الجمهوريين في المرحلة التمهيدية من المتمسيحين «المولودين من جديد» الذين يؤمنون إيماناً عجيباً بأن إسرائيل لا ترتكب الخطأ، وتفعل الصواب دوماً، وأن واجبهم الديني يحتم عليهم مساندة جميع السياسات الإسرائيلية، كائنة ما كانت، كشرط أساسي لتسريع مقدم يوم القيامة».
أما الكلمات التي ألقاها هؤلاء الأربعة فقد انتقدت نهج إدارة الرئيس (باراك أوباما) في «استرضاء» أعداء إسرائيل من جهة، وبالمديح المفرط لإسرائيل من جهة أخرى. ومما قاله (جينجريتش): «يجب على الولايات المتحدة أن ترفض صراحة مفهوم حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ويجب علينا تذكر أنه لم يكن هناك شيء اسمه فلسطين».
أما (ميشيل باتشمان) المترشح المنسحب فقد قال: «نسي رئيسنا أهمية إسرائيل لأمريكا. وفي الحقيقة أن الرئيس بات اليوم أكثر اهتماماً ببناء إسرائيل لمساكن فوق أرضها منه بالتهديدات التي تواجهها، أما ما يطلق عليه حق عودة الشعب الفلسطيني، فسيؤدي إلى تدمير إسرائيل ديموغرافيّا من خلال إغراقها بملايين من العرب الذين لم يعيشوا قط في إسرائيل، وهو ما سيحول الدولة اليهودية الوحيدة في العالم إلى الدولة العربية الثالثة والعشرين».
تلاهما (ميت رومني) الأوفر حظا بحسب استطلاعات الرأي حيث قال: «على مدار الأعوام الثلاثة الماضية ظل الرئيس أوباما يعاقب إسرائيل، فقد اقترح علناً أن تعترف إسرائيل بحدود غير قابلة للدفاع عنها، وأهان رئيس وزرائها، وكان بشكل عام متردداً وضعيفاً في وجه التهديد الوجودي الذي تمثله إيران. هذه المواقف جرّأت المتشددين الفلسطينيين الذين يستعدون الآن لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حركة حماس الإرهابية، ويشعرون بأنه بإمكانهم تجاوز إسرائيل على مائدة المفاوضات».
أما (ريك بيري) المترشح المنسحب فقد قال: «لقد دمر أوباما، على نحو منهجي، علاقة أمريكا مع إسرائيل.. إن السيل من المبادرات العدائية تجاه إسرائيل هو التعبير الطبيعي عن موقف هذه الإدارة تجاه إسرائيل».
ورغم أن الجمهوريين في هذه الحملة الانتخابية، رسموا صورة واضحة عن سياساتهم المقبلة في حال الفوز (وهي سياسة ترضي إسرائيل بأوجهها كافة) ورغم أنه لا يختلف اثنان على أن تأثير اللوبي اليهودي والصهيوني في الولايات المتحدة في سير ونتائج الانتخابات الرئاسية لايزال كبيرا وله فاعلية مؤثرة تدفع المرشحين نحو تبني سياسات منحازة جدا إلى إسرائيل، فإن الأمر المقابل يتجلى في أن (اوباما) ما زال يحاول التعامل مع إسرائيل مختلفا معها في توجهات حكومتها اليمينية المتطرفة، مؤمنا (كما تدل تصريحاته) بأن أمن إسرائيل هو هدف استراتيجي أمريكي، لكنه لن يتم تحقيقه من دون قيام دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل. ومن باب حرف المعركة لتصب الماء في طاحونته، يتطلع (أوباما) مع انطلاق القطار الانتخابي الجمهوري إلى معركة قاسية في نوفمبر المقبل تعتمد لهجة اكثر هجومية مما كانت عليه قبل اربع سنوات، متسلحا بتجربة تعايش صعبة مع الجمهوريين في الكونجرس، حيث قال صراحة في كلمته الاسبوعية عشية رأس السنة الجديدة «ان مناقشات صعبة وبعض المعارك الحامية تنتظرنا في ٢٠١٢»، خاصة مع هيمنة الجمهوريين على مجلس النواب «وتحكمهم» في الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ.
.