الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٦٧ - الأربعاء ١ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٩ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

من ذاكرة السينما..

مدينة الله.. أطفال العنف





موحشٌ.. صادمٌ.. ذلك القدر من العنف والواقعية اللذين ملآ الشاشة في فيلم (مدينة الله) البرازيلي.. وهل يمكن أن نطلق عليه أساساً تسمية فيلم؟ أعتقد بان الصدق والواقعية اللذين أعطاهما إيانا المخرج جعلا من الفيلم قطعة من صميم واقع معاش قاس ومؤلم، من دون رتوش ولا تجميل لهذا الواقع.. إنه حقاً مؤلم وموحش.

الفيلم قدمه لنا المخرج البرازيلي فيرناندو ميريليس في أولى تجاربه السينمائية.. ليحكي عن ذلك العنف الذي يتحلى به الشارع البرازيلي متمثلا في أحد الأحياء الشعبية الفقيرة.. يحكي عن أطفال الشوارع الباحثين عن أي شيء يعتاشون عليه.. ولا يجدون سوى العنف أمامهم.. والمحيط بهم من كل جانب.

يروي الفيلم أحداثاً حقيقية سجلها الكاتب البرازيلي باولو لينيس في روايته التي أعطاها اسم الفيلم نفسه.. هذا الروائي الذي نشأ في الحي عينه وقد حكاها في ٧٠٠ صفحة على ٣٠٠ شخصية.. إلا أن كاتب السيناريو (بروليو مانتوفاتي) اكتفى بشخصيات قليلة بالتعاون مع المخرج لاستخلاص مضمون الرواية والمحافظة على عمقها ورسالتها.

أحداث الفيلم تبدأ مع عقد الستينيات وتنتهي في الثمانينيات من القرن الماضي، لتحكي عن طفل يدعى «روكيت» يطمح منذ نعومة أظفاره لأن يصبح مصورا فوتوغرافيا، إلا أن شقيقه الأكبر متخصص في مهاجمة الشاحنات وسرقة محتوياتها، وترويج المخدرات بالتعاون مع صديقه الذي أصبح فيما بعد من أشهر مروجيها.. لذا نرى أن هذا الحلم لدى روكيت يواجهه كل هذين العنف والقتل في أحداث درامية تحاول أن تثنيه عن حلمه هذا.

لكننا مع تتابع هذه الأحداث، نرى مقاومة روكيت للجريمة وإصراره على تحقيق حلمه، وذلك بعد حصوله على كاميرا مسروقة، يهديها له زعيم العصابة لكي يصوره ويصور الأبطال الحقيقيين للحي.. ويتحول روكيت إلى مراقب حيادي ينقل هذه الأحداث الدامية عبر قصص وحكايات مثيرة على صفحات جريدة أجنبية تسعى لنقل ما يحدث على الشارع من قتل وإراقة دماء.

في مشهد من مجمل تلك المشاهد التي لا تنسى، ذلك المشهد الذي يظهر فيه طفل في السادسة من العمر تحت تهديد السلاح من طفل آخر، يخيّره بين يده أو قدمه لإطلاق النار عليها.. نراه يصرخ قبل إطلاق النار، وهو يعلم بأن الاثنتين لا يستغني عنهما.. ولكن الماسك بالسلاح يختار من دون انتظار لرد الطفل.. الاختيار كان القدم، لنرى الدم يتدفق من الحذاء المهترئ ليملأ الشاشة بالعنف والغباء.

الفيلم في حد ذاته كان مفاجأة للجميع، بسبب ذلك الكم من العنف الخارج من أطفال فقراء ومشردين يمتهنون القتل والضرب ويحترفون السرقة والمخدرات، في أحداث نقلها لنا المخرج ميريليس بواسطة ممثلين هواة يقطنون ذلك الحي.. وقد لاقى الفيلم اهتمام كبار النقاد بعد اشتراكه في مهرجان كان الدولي، ورشح لأربع جوائز أوسكار عن أفضل (إخراج، سيناريو مقتبس، تصوير، مونتاج).



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة