المحرفون
 تاريخ النشر : الجمعة ٣ فبراير ٢٠١٢
عبد الرحمن فلاح
لقد تعرض القرآن الكريم للكثير من المحاولات لتحريفه وتبديله، فلم يمكنهم الله تعالى من ذلك، لأنه سبحانه تكفل بحفظ كتابه وكشف المحاولات الرامية الى تشويه حقائقه وتلويث صفائه.
ولقد ذكر القرآن الكريم بعض هذه المحاولات من مثل قوله: «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون» (البقرة/٧٩).
ولقد قرر القرآن الكريم استحالة قبول الإيمان من أناس يحرفون كلام الله من بعد ما سمعوه وعقلوه، وقال عنهم القرآن: «أفتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون» (البقرة/٧٥).
كان هذا ديدنهم فهم لم يكتفوا بأن اعرضوا عن داعي الحق ونأوا بجانبهم عنه، بل هم قاموا بتحريف ما سمعوه وعقلوه وعلموا انه الحق الذي لا مراء فيه، ولكن نفوسهم الشريرة وضمائرهم الخربة ابت عليهم ان يكتفوا بالإعراض عن داعي الايمان، بل عملوا على صرف الناس عن دعوة الحق، واضلالهم بالباطل الذي هم مؤمنون به، ويحملون لواء الدعوة إليه.
وكنا نظن ان زمن هؤلاء المحرفين قد ولى، وان نجمهم قد افل، ولكن الحقيقة غير ذلك، وسوف يظل امثال هؤلاء المحرفين موجودين مادام هناك حق وهناك باطل والصراع بينهما لن يتوقف ولن ينتهي، ولكل واحد منهما أنصار يروجون له ويدافعون عنه، ولابد أن يذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس تحقيقا لسنة الله تعالى وارادته الفاعلة قال تعالى: «... قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار (١٦) أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال (١٧)» (الرعد).
ومهما علا الباطل وتمكن فإلى حين ولابد ان تكون كلمته هي السفلى، أما كلمة الله تعالى وشريعته ودينه فهي العليا مهما تجبر المتجبرون، واستبد المستبدون، وطغى الطغاة.
ان نور الله تعالى لن تطفئه قوة في الوجود، ولقد أخذ الله تعالى العهد على نفسه ان يتم نوره، ويظهر دينه على الدين كله، يقول تعالى: «يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (٣٢) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (٣٣)» (التوبة).
هذه هي العهود والمواثيق التي قطعها الحق تبارك وتعالى على نفسه وتحدى بذلك الجن والانس أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، فما استطاعوا في الزمن القديم الماضي، ولن يستطيعوا في الزمن الجديد الآتي، وسوف تفشل محاولاتهم، ويكشف ما كان مستورا من نياتهم، وسوف يكون من تقدمهم العلمي، وتفوقهم الاعلامي، دليل فشلهم، وبرهان اخفاقهم، فالعلم في تقدمه الحثيث يدعو الى الإيمان كما قال العالم الامريكي موريس كريسون في كتابه «العلم يدعو الى الإيمان» أو في نسخته الانجليزية:
enolA dnatS tonnaC naM ehT
وصدق الله العظيم حيث يقول في معرض تنويهه بالعلماء وفضل عقولهم على البشرية: «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود (٢٧) ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ إن الله عزيز غفور (٢٨)» (فاطر).
والاشارات واضحة في هاتين الآيتين ولم يرد فيهما حكم شرعي حتى نصرف معنى العلماء الى علماء الفقه والشيريعة - كما يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى - بل الاشارات التي تضمنتها الآيتان تنصرف إلى جوانب علمية أخرى، فهما (أي الآيتان) تتحدثان عن علوم النبات، وعلوم الجيولوجيا المتمثلة في الجبال والوانها، وعلوم الحيوان، وعلوم الإنسان (البيولوجيا)، ثم تختم الايتان حديثهما بالاقرار للعلماء المتخصصين في هذه المجالات العلمية المختلفة بأنهم وحدهم الذين يخشون الله تعالى عن علم ومعرفة يقينية لأنهم اطلعوا على بعض اسراره سبحانه في الكون واقتربوا من بعض سننه التي لا تتغير ولا تتبدل.
إذاً، فالعلم وتقدمه المطرد خير معين على ذيوع وانتشار حقائق الإيمان، وما ظنه المعاندون نصرا لهم، وعونا لهم على محاربة الدين، انقلب عليهم، وتخلى عنهم، ووقف مؤكدا حقائق الإيمان، ومنوها في بعض مجالاته بشمولية الاسلام، وصحة احكامه، وسداد رأيه.
ونردد قول ربنا: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (١٠٣) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (١٠٤) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا (١٠٥)» (الكهف).
.