كيف تستقيم الأمور وهم يكذبون؟ (٣)
تسييس الكذب
 تاريخ النشر : الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢
السياسة باطارها العام مبنية على الكذب ولكن في عصرنا هذا تم خلط المفاهيم التي تغيب من خلالها كل القيم والمبادئ، لذا أصبح المجال مهيأ لأن يظهر وينتشر كذب من نوع جديد لا توجد له قاعدة ثابتة ولا حدود يمكن أن تحد من انتشاره وتفشيه بين أفراد المجتمع بصورة كبيرة، فالكذب السياسي يمارس عن طريق الجمعيات السياسية والسلطات التشريعية والتنفيذية عبر وسائل الاعلام المختلفة في أنواعها ومصادرها، ومن خلال منظومة تأخذ لعبة تداول الأدوار فيما بينهم فالكل يكذب بطريقته والشعب يجب عليه دفع الثمن وتحمل كل تبعات ذلك، ويستخدمون ضده كل أنواع التضليل والمبالغة لإعطاء بعض الجرُع المخدرة التي تجعله مجبرا أن ينقاد ويستجيب لما يريدون تنفيذه وتطبيقه من أنظمة وسياسات، وهذا ما أوصلنا إلى أوضاع سياسية واجتماعية غاية في الخطورة، نشهد تبعيتها في هذه الفترة وانعكاساتها على المجتمع، مما يتسبب في بروز عدة مفارقات ومشاكل مفتعلة والحلول الموضوعة لها في الغالب ما تكون في سياق اجتهادات فردية تحاول وضع استراتيجيات جديدة للتوجهات المستقبلية من دون النظر إلى خصوصية وطبيعة المجتمع المدني ومدى تقبله واستعداده لمثل هذا النوع من الخيارات السياسية التي تعتبر قصيرة المدى في نظرتها الضيقة، مما يقحم المجتمع ويدفعه للاستجابة والانسجام مع كل هذه المعطيات بصرف النظر عن كل التطلعات والمطالب التي يتمناها، وهذا سوف يسهم في إحداث تغييرات كبيرة قياسا بحجم الانعكاسات المتوقع حدوثها، وغالبا ما يتم طرح مثل هذه الخيارات عن طريق الجمعيات السياسية التي تنفذ أجندات خلاف ما يحتوي عليه نظامها الأساسي الذي تأسست على خلفيته، التي للأسف لا تعبر عن رأي أعضائها المنضوين تحتها، ولكنها تمثل رؤية خاصة من منظور ضيق جدا، وتجدها بالتالي لا تستطيع إيجاد الكيفية المناسبة من اجل التعاطي مع مثل هذا النوع من المشاكل بالمفهوم السياسي الصحيح، وتتجنب طرحها عبر القنوات الشرعية التي تكون بمثابة المرآة التي تعكس وتعبر عن هموم الناس بكل مصداقية، على أن تتم مناقشتها عن طريق المجالس التشريعية التي تأخذ الطابع والصفة القانونيين بحكم الصلاحيات المخولة للمجالس وفق الأسس الذي يقرها الدستور، حتى تكون لهم الفرصة كاملة لاتخاذ التدابير والإجراءات الفعلية كافة لدراسة هذه المشاريع المتعلقة بإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وكذلك السياسية بمعزل عن الانتماءات الطائفية والحزبية الضيقة، ويجب ممارسة الدور التشريعي والرقابي بعيدا عن المصالح الفئوية مع وضع مصلحة الوطن والمواطن أمامهم.
اننا كمجتمع مدني واع بالقدر الكافي الذي يمكنه من تقبل أي فكرة تنادي بالتغيير باعتباره هو المدخل الحقيقي والمحور الأساسي للعملية الديمقراطية بما يسهم في تطوير هذه التجربة وتعزيز دورها التشريعي والرقابي، الذي يأخذ في الاعتبار تحقيق المكاسب لكل أفراد المجتمع من دون تمييز، بشرط أن يرتكز ذلك على ضرورة إشراك كل الأطراف ذات العلاقة المباشرة بالجانب التشريعي وبالخصوص في الأمور التي تتعلق بالمصلحة الوطنية من أجل تأمين مستقبل أجيال تنتظر منا الكثير حتى تتمكن من تحقيق طموحاتها وترسم مستقبل وطن يتسع ويحضن الكل، فمن الضروري اشراك شرائح المجتمع المدني كافة، لإبداء الرأي في هذه الخطط والمشاريع من اجل إيجاد قاعدة قوية تسهم في صنع القرارات المصيرية، بما يتماشى ويصب في جانب المصلحة العامة.
إننا كمجتمع واع ومتحضر لايزال ينادي ويؤكد دائما نبذ التعددية في التوجه وعدم تغييب الآخرين بهدف تطبيق الخطط في معزل عما يصفونه بالأغلبية والأقلية المعارضة، التي تكون بمثابة العامل المعطل لدفع عجلة التطوير للأمام كما يدعي المصلحون الذين يرفعون راية التجديد من أجل بناء مجتمع كما يتصور لهم من دون الحاجة للأخذ بمشورة أصحاب الخبرة والاختصاص وإشراك كل الفئات في هذه القرارات، بما يحقق لنا الاستقرار المطلوب غير المتسرع مع تمهيد الأرضية التي تسمح لنا بفتح الأبواب على مصاريعها وتفسح المجال للقضاء على كل المفارقات المحكومة بمنطق إطلاق الذرائع والاجتهادات الفردية التي تروج لفرض الواقع بكل معطياته، ومن ثم مواجهة النتائج مهما تكن مع التحضير المسبق لإيجاد المبررات إذا ما ظهرت بوادر الفشل أو النجاح بشرط ألا تتخفى وراءها الغايات التي تحقق للبعض مكاسب سياسية مما يعطيهم حق التحكم في قيادة الدفة السياسية وتعزيز مفهوم الإملاء المطلق غير القابل للنقاش والاجتهاد.
طارق مطر
.