الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٦ - الجمعة ١٠ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


إرهاب «المستوطنين» الإسرائيليين: خنوع حكومة أم سياسة رسمية؟





تحت سمع وبصر جيش الاحتلال الإسرائيلي، تواصل تنظيمات يهودية استعمارية - «استيطانية» ارتكاب مقارفاتها، ترافقها عادة شعارات عنصرية واستفزازية، ترافقها تواقيع فاشية بمسميات عدة، لعل أبرزها عصابة «تدفيع الثمن»، التي لم يعد يقتصر عملها على فلسطين ٦٧ فقط، وانما طال «أهدافا» في فلسطين .٤٨ ولا يكاد يمر يوم من دون أن يرتكب «المستوطنون» جريمة ما ضد الفلسطينيين: قطع أشجار الزيتون، أو تحطيم وحرق السيارات، أو منع المزارعين من دخول أراضيهم، أو الاعتداءات ضد العديد من المساجد، مما يؤشر إلى محاولات إثارة حرب دينية تنطلق من أيديولوجيا عنصرية مع ما يشي برعاية رسمية إسرائيلية في ضوء (أو بالأحرى) التغاضي، مرارا، عن ممارسات «للمستوطنين».

تثير التنظيمات اليهودية المتطرفة، حاليا، ضجة كبيرة في إسرائيل مع انتقادات غير مسبوقة وصلت إلى درجة مطالبة البعض بمحاكمة أعضائها، فيما وصفهم آخرون بالإرهابيين. ونكتفي اليوم بإيراد ثلاث شهادات إسرائيلية بارزة، ففي مقال بعنوان لافت هو: «خطر دولة داخل دولة»، يتحدث (شاي غولدن) عن أنه في اليوم الذي يتفكك فيه المجتمع في اسرائيل ويذوب فيه القانون ليصبح سائلا، لن يكون مهما ماذا ستكون عليه حدود الدولة، حيث يضيف: «خلفية العربدة الأصولية في الفترة الأخيرة ليست مصادفة. الوهن المتواصل لحكومة بنيامين نتنياهو في معالجة السلوك المتطرف للجماعات (بقدر أكبر: المستوطنين)، الى جانب انعدام كبح الجماح القيادي لأعمال الشغب التشريعية (وغير ذلك كثير) ظواهر هيأت جميعها التربة لأعمال الشغب الاخيرة التي تعصف بالدولة من الداخل».

ويتساءل (غولدن) عن رد (نتنياهو)، فيقول: «هل سيتخذ يدا من حديد ضد المستوطنين أم لعله يكتفي بشجب فارغ؟ هل سيوقف مشاريع القوانين الهاذية والخطرة التي تمس بالنسيج الحساس لشبكة العلاقات بين الجماعات في إسرائيل، أم سيسمح لكل نائب من الائتلاف بأن يهذي كما يشاء بمشاريع قوانين خطرة على المجتمع في إسرائيل؟ هل سيقف جانبا عندما يهاجم عشرات المشاغبين النساء والصبايا، ويعرضون حياة الصحفيين للخطر؟»، ويختم: «الأمر مقلق ومخيف، فإسرائيل أصبحت دولة يطبق فيها قانون واحد على نصف السكان وقانون آخر على النصف الثاني. نصف واحد يخضع للقانون، يطيع الأنظمة البلدية، يخضع لامرة الشرطة، يطيع تعليمات الحكم، ونصف آخر يتشكل من جماعات أقلية عدوانية وعنيفة، لا يتمكن منها القانون والدولة تعرف، توافق غصبا، وتسكت بخنوع. وسواء كان هذا هو اللوبي السياسي لهذه الجماعات، أم التخوف من مواجهة عنيفة معها، فلاتزال هي التي تقرر: من تحت أنفنا تجري اسرائيل ثانية، غريبة، لا تحترم القانون، مغتربة في قسم منها عن قواعد اللعب الاسرائيلية، معادية للواجبات المدنية، رافضة للفكرة الاسرائيلية. جماعات أيديولوجية من جهة، قطاعية من جهة اخرى، وقاسم مشترك واحد لها جميعها: فقد أخرجت نفسها من دولة إسرائيل».

من جهة ثانية، طالب كتاب إسرائيليون آخرون بإعادة النظر في إجراءات محددة، منها على سبيل المثال، «مكافحة من سموهم «المشاغبين من اليهود» في الضفة الغربية وتطبيق حكم واحد على المشاغبين من اليهود والفلسطينيين معا واستعداد الجيش والشرطة لحوادث صدام دامية يستعمل فيها المشاغبون في المستقبل سلاحا حيا»، وهذا رأي (ناحوم برنياع) الذي أضاف في مقال حديث له: «في مواجهة مخالفي القانون من داخل المستوطنات لا يختلف رئيس الحكومة الحالي عن رؤساء الحكومة الذين سبقوه: يده قصيرة. هم أقوى منه في كل ما يتعلق بهم وبأجسامهم وبحريتهم وبؤرهم الاستيطانية».

ويتابع (برنياع) منتقدا الموقف الرسمي: «كان يجب على الحكومة التقرير أن يكون حكم واحد للمواطنين سواء كانوا من الاسرائيليين أم الفلسطينيين، من اليهود أم من العرب، وحكم واحد لرُماة الحجارة، وحكم واحد لمُدنس مكان مقدس، وحكم واحد لمُخل بالنظام. فالحكومة تلتزم في المحكمة بإخلاء بؤرة استيطانية وتهتم في موازاة ذلك بربط البؤرة الاستيطانية بشبكة الكهرباء والماء والهاتف. وهي تشق شارعا الى البؤرة الاستيطانية وتقيم قوة من الجيش الاسرائيلي تحرسها. ويتعلم الشباب في المستوطنات قواعد اللعب، وهم لا يعرفون الله. تتصرف الحكومة بجبن».

من جهة ثالثة، وخاصة بشأن مسألة غياب العقاب، ولاسيما مع إدراك الجميع أن السلطات الإسرائيلية تعرف هؤلاء الإرهابيين وتعرف هوياتهم لكنها لا تعاقبهم، كتب (يهوشع سوبول) ساخرا: «يسيطر مجهولون على دولة المجهولين. ويتبين ان هؤلاء المجهولين يستمدون الهامهم من حاخامين مجهولين من بؤرة استيطانية مجهولة. وحينما تبين ان المجهولية تؤتي أُكلها وتحظى باعتراف رسمي، زاد المجهولون في نشاطهم. فلقد عبث المجهولون هنا وهناك ايضا بممتلكات الجيش الاسرائيلي لكن معظم نشاطهم المجهول وجه إلى الفلسطينيين. وهكذا أحرق مجهولون مسجدا، واقتلع مجهولون آلاف اشجار الزيتون، وحطم مجهولون سيارات، وأفسد مجهولون سيارة ناشطة في منظمة سلام وهددوا حياتها، وأحرق مجهولون مسجدا في القدس، وفي المدة الاخيرة داهم مجهولون قاعدة للجيش الاسرائيلي فعاثوا فيها فسادا وأفسدوا سيارات وممتلكات، ورجم مجهولون بالحجارة سيارة جلس فيها ضابط رفيع المستوى قال انه لم ير طوال حياته كراهية متقدة كهذه التي رآها في عيون المجهولين هؤلاء. وبحسب تقديرات أذرع الأمن ينشط في «أرض» المجهولين بضع مئات الى ثلاثة آلاف مجهول يعملون أفرادا أو في مجموعات صاعقة صغيرة، مجهولة في الأساس»، ويختم متهكما: «يتبين الآن ان هؤلاء المجاهيل شفافون ايضا، فحينما يلقاهم رجال الأمن، عرضا، ساعة الفعل لا ينجحون في رؤيتهم، لأن المجاهيل من ارض المجاهيل أُنعم عليهم بصفة إلهية هي أنهم موجودون في كل مكان ويعملون في وضح النهار وفي الظلام لكن لا أحد يراهم ولا يعلم عنهم شيئا. وها هي ذي الآن تأتي دول اوروبا وتطلب بوقاحة كبيرة الى حكومة إسرائيل ان تفعل غير الممكن وان تعتقل المجاهيل الذين أرسلهم الله وان تحاكمهم كأنهم مخالفون للقانون عاديون. أجابها مجاهيل من وزارة خارجيتنا المجهولة جوابا حسنا بقولهم: لا تتدخلوا في شؤوننا الداخلية، سنعلمكم ألا تشغلوا أنفسكم بنا، نحن سنُجن، سنرعى مجاهيلنا الى أن تصدر عنهم نار تأكل العالم كله».



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة