تغيير المصطلحات لتتوافق مع السياسات
 تاريخ النشر : السبت ١١ فبراير ٢٠١٢
بقلم: د. إسماعيل محمد المدني
أصبحنا اليوم في عصر التلاعب بالألفاظ والمصطلحات وتطويعها لتتناسب مع أهوائنا وسياساتنا، ونسمي هذا عُرفاً الدبلوماسية أو علم السياسة، وأنا أُطلق عليه علم فَن الكذب والنفاق، وعدم الشفافية والصراحة، وقلة الشجاعة في مواجهة الواقع وقول الحق.
وهذه المناورات الكلامية، والتلاعب في استخدام المصطلحات يمارس الآن في جميع مناحي الحياة وفي المجالات كافة، بما في ذلك المجال البيئي، وبخاصة في القضية الدولية المعقدة والمتشابكة وهي قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض.
فمنذ أن دخلت قضية التغير المناخي الممثلة في زيادة سخونة الأرض في اجتماع القمة الذي عقد في مدينة ري ديو جانيرو في البرازيل عام ١٩٩٢، والعالم يدور في فَلَكِها، ويحوم حولها بين مدٍ وجزر، وبين إجماعٍ وانقسام. فقد وصل اهتمام العالم بقضية التغير المناخي ذروته في مدينة كيوتو اليابانية في عام ١٩٩٧ عندما أجمعت دول العالم المتقدمة والصناعية على بروتوكول كيوتو، والتزمت بخفض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المتهمة برفع درجة حرارة الأرض.
وبعد كيوتو بدأ الانحسار تدريجياً في الاهتمام بقضية التغير المناخي وخاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من البروتوكول، حيث ولجت القضية في مرحلة الركود والكساد المستمرين، وتفاقم هذا الوضع وتدهور الاهتمام كلياً بالتغير المناخي عندما دخل العالم في ظلمات الكساد الاقتصادي، بدءاً من عام .٢٠٠٨
وهنا اتضح النفاق البيئي جلياً عند دول العالم كافة، وبخاصة الدول الصناعية الكبرى، وبدأت مرحلة التلاعب بالألفاظ والمصطلحات لتتهرب من التزاماتها ومسئولياتها تجاه الكرة الأرضية وارتفاع حرارتها، وتأكد لي شخصياً موقع البيئة وقضاياها في جدول الأعمال الفعلي للدول المتقدمة، حيث يأتي الاقتصاد وتوفير الوظائف دائماً في المرتبة الأولى من الاهتمام والرعاية.
فالولايات المتحدة ضربت أروع مثالٍ على هذه الحقيقة، بدءاً بالرئيس السابق جورج بوش الذي أعفى أمريكا من أي التزام ومسئولية أخلاقية لخفض نسبة الملوثات، وخَرَجَ من الإجماع الدولي برفضه التصديق على بروتوكول كيوتو، ثم بدأ حملة ممنهجة في التلاعب بالمصطلحات الخاصة بقضية التغير المناخي لتبرير هذه السياسة.
فقد ألغت إدارة بوش تدريجياً استخدام مصطلح «سخونة الأرض» الذي يعترف ضمنياً بارتفاع درجة حرارة الأرض ودور الإنسان في حدوث هذا الارتفاع، واستبدلت به مصطلح «التغير المناخي» الذي يعتبر أكثر عمومية ولا يشير إلى متهمٍ بعينه، أو إلى حالة محددة كارتفاع درجة حرارة الأرض، ولذلك فهو أكثر قبولاً من رجال السياسة.
واليوم جاء أوباما ليلغي مصطلح «التغير المناخي» ومصطلح «سخونة الأرض» من القاموس السياسي ومن التداول في استخدامه في البيت الأبيض ومن قِبَلِ رجال السلطة التنفيذية. فقد نشرت جامعة براون الأمريكية مؤخراً دراسة تحليلية حول استخدام إدارة أوباما لهذين المصطلحين في التصريحات والخطابات الرسمية. ففي عام ٢٠١٠ ذكر أوباما مصطلح «التغير المناخي» في خطاب حالة الاتحاد مرتين فقط، في حين أنه تجاهل الإشارة إلى هذا المصطلح كلياً في ٢٠١١، وفي ٢٤ يناير من العام الجاري أشار باستحياء إلى هذا المصطلح مرة واحدة فقط واستبدل به كلمة «الطاقة» ومصطلح «الطاقة النظيفة»، وهما مصطلحان عامان لا يسببان أي خلافات بين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. فهذان المصطلحان أقل وطئاً على أسماع الجمهوريين الذين يعانون حساسية مفرطة من قضية التغير المناخي وسخونة الأرض، وبالتالي يستطيع أوباما عند التلاعب في المصطلحات كسب بعض أصوات الجمهوريين في الكونجرس وتمرير سياساته وقوانينه المتعلقة بأمن الطاقة.
والمشكلة أن هذا النفاق البيئي والتلاعب في المصطلحات البيئية لا يخص أمريكا فحسب، وإنما تصل عدواه إلى الدول الأخرى، وبخاصة منظمات الأمم المتحدة ووسائل الإعلام.
فهل سيختفي مصطلح «التغير المناخي» ومصطلح «سخونة الأرض» من القاموس البيئي، كما بدأ يختفي تدريجياً من القاموس السياسي؟
.