الثقافة السياسية
الوعي السياسي والتحديات المحلية
 تاريخ النشر : الأحد ١٢ فبراير ٢٠١٢
الوعي السياسي يرتبط دائماً بالمعرفة التي تتراكم لدى الأفراد، والمتعلقة بمعرفتهم لمختلف القضايا والظواهر السياسية المتعددة، فمتى ما زادت هذه المعرفة ازدادت قدرتهم على فهم القضايا السياسية بشكل أكبر، والعكس صحيح، وهو ما يسمى اختصاراً الوعي السياسي.
ودائماً ما يقاس تقدم المجتمعات سياسياً بمستوى وعيها السياسي الذي يساعدها دائماً على تطوير تجربتها الديمقراطية ويساهم في إثراء الحراك السياسي الذي تتمتع به.
فعلى سبيل المثال لا يمكن أن تكون هناك مشاركة سياسية في أي عملية انتخابية من دون أن يكون لدى الأفراد الوعي التام الذي يدفعهم للتصويت أو حتى للترشح. وكذلك الحال بالنسبة للجمعيات السياسية التي لا يمكن أن يكون لها دور قوي وفاعل ومؤثر في المجتمع من دون أن يتمتع أفرادها بالوعي السياسي الناضج.
هذا الوعي يتكون في إطار زمني معين، حيث يبدأ منذ الصغر ويستمر حتى تقدم عمر الإنسان زمنياً، وتساهم في تشكيله مجموعة من الظروف والعوامل، مثل: طبيعة التجربة السياسية التي تشهدها الدولة، فمثلاً إذا كانت الدولة لا تتبع نهجاً ديمقراطياً فإن الوعي السياسي لمواطنيها سيكون وعياً محدوداً، ويحتاج الى وقت طويل حتى يستوعب التغييرات السياسية التي يمكن أن تحدث في أي وقت، وكذلك الحال بالنسبة الى المشاركة السياسية في الأنظمة غير الديمقراطية حيث لا توجد دافعية لدى الأفراد للمشاركة في العملية السياسية سواءً كانت انتخابات أو مجلسا نيابيا، والسبب هنا أن الأفراد ليس لديهم الوعي السياسي الكافي للمشاركة ونتيجة لاعتقادهم بعدم جدوى مشاركتهم أصلاً.
كذلك الحال في مملكة البحرين، فالوعي السياسي يختلف باختلاف الظروف التي مرت بها الدولة، فقبل تدشين المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى في عام ٢٠٠١ كانت الثقافة السياسية السائدة في الدولة مختلفة عما هي عليه الآن، وسبب ذلك اختلاف الظروف التي تساهم عادة في تشكيل الوعي السياسي نفسه. فتحول النظام السياسي في البحرين إلى الملكية الدستورية أتاح للمواطنين ممارسة حقوقهم السياسية المختلفة من تأسيس الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني إلى حق المشاركة في الانتخابات بالترشح والانتخاب، وحقوق الرأي والتعبير وغيرها من الحقوق.
من هنا فإن الوعي السياسي يتأثر كثيراً بالظروف التي تمر على الدولة، ولكنه في نفس الوقت فإن هناك مجموعة من الأدوات التي تساهم في تشكيل هذا الوعي، ومنها المدرسة والمؤسسات التعليمية المختلفة، وكذلك وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، وأيضاً قادة الرأي ورجال الدين.
وعملية تكوين الوعي السياسي تستغرق وقتاً طويلاً، ولا تتشكل بشكل سريع، وينبغي أن يساهم هذا الوعي في تطوير الثقافة السياسية والتجربة الديمقراطية في الدولة.
خلال الأسبوع الماضي دعا صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد إلى «أهمية إذكاء الوعي الوطني بالأخطار والتحديات المحدقة ورفع مستواه». وفي هذا الطرح رؤية لضرورة رفع مستوى الوعي السياسي في البلاد من أجل تعريف المواطنين بالأخطار والتحديات الداخلية والخارجية التي يمكن أن تواجه الدولة.
إن رفع مستوى الوعي الوطني هو رفع لمستوى الوعي السياسي، والقدرة على استيعاب الأوضاع السياسية الحالية والمقبلة، وهو ما يتطلب اهتماماً سريعاً بتوعية الرأي العام بمختلف القضايا والظواهر السائدة حالياً.
كما أن الفترة المقبلة تتطلب تضافر جهود كبيرة داخل الدولة لرفع مستوى الوعي الوطني ليكون وعياً قادراً على استيعاب التحديات والأخطار التي يمكن أن تهدد الوطن. وهذه المسؤولية لا تختص بطرف واحد أو جهة بعينها بل هي مسؤولية وطنية تتعلق بالمجتمع نفسه وكافة الأطراف فيه سواءً كانت مؤسسات أو حتى أفرادا.
الحاجة الوطنية في مثل هذا الوقت تتطلب تحركاً سريعاً لنشر العديد من الأفكار المتعلقة بالأوضاع السياسية السائدة والتحديات التي يمكن أن تواجهها مملكة البحرين حالياً وخلال الفترة المقبلة. إذ لا يكفي أن تكون هناك إجراءات رسمية على مستوى الدولة لمعالجة التحديات الراهنة، ولكن المسألة تحتاج الى وعي سياسي جماعي على المستوى الوطني من شأنه أن يساهم في إحداث نقلة نوعية حقيقية لدى الأفراد والمؤسسات نحو مواجهة التحديات والحفاظ على المكتسبات الوطنية والحضارية التي تحققت في ظل المشروع الإصلاحي.
التحديات المحلية المقصود فيها هي التحديات كافة التي يمكن أن تحدث مشكلة أو قضية داخل المجتمع البحريني، وهي أخطار غالباً ما يتم مواجهتها بالطرق والوسائل التقليدية، ولكن هناك طرقاً ووسائل غير تقليدية لمواجهة هذه التحديات، ومنها فكرة رفع الوعي الوطني لأنها وسيلة هامة وأساسية من أجل تكوين رأي عام داخل المجتمع قادر على تحديد جميع التحديات، واستشعار الخطر بشكل مسبق، وبالتالي تتاح لديه الفرصة بشكل أكبر لمعالجة القضايا والأحداث التي يمكن أن يواجهها.
الدعوة التي أطلقها صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي ولي العهد بشأن ضرورة إذكاء الوعي الوطني دعوة هامة جاءت في وقتها مع تزايد التحديات المحلية والإقليمية والدولية في ظل ظروف عالمية معقدة. هي دعوة تستحق الوقوف عندها كثيراً لفهم ما وراء هذه الدعوة، والحاجة الى تحركات فعلية سريعة على أرض الواقع.
معهد البحرين للتنمية السياسية
للتواصل hb.vog.dpib@ofni
.