تيارات الإسلام السياسي بين إمكانية
التكيف وفرص استثمار المرحلة
 تاريخ النشر : الأحد ١٢ فبراير ٢٠١٢
بقلم : حسن الأسود
بداية لابد من الإشادة بنجاح معرض الطيران الدولي ألفين واثنا عشر الذي أقيم في الفترة من ١٩ يناير حتى ٢١ في القاعدة الجوية بالصخير كما لابد من رفع الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذه الفعالية التي لاقت إشادة واسعة من دوائر وشخصيات متخصصة وبالإضافة إلى كون مثل هذه المعارض تسهم في تقوية عجلة الاقتصاد البحريني وتوفر فرصا لزيادة الدخل الريعي للاقتصاد مما ينعكس في محصلته على فرص ارتفاع مستوى الدخل والرفاه الاجتماعي وجودة الخدمات الحكومية المقدمة للمجتمع فإن ذلك المعرض على امتداد أيامه قد أضفى جوا من البهجة والانفتاح في الأجواء البحرينية.
قبل أيام صادف مرور عام على نجاح ثورة مصر المباركة وبهذه المناسبة نهنئ الشعب العريق بنجاح ثورته ونتمنى له أن يتخطى كل العقبات التي تعترض طريقه للوصول بهذه الثورة إلى أهدافها المرجوة من تحققٍ لعملية تكامل اقتصادي ورفاه اجتماعي وصولاً إلى تحقيق استقلالية في جدية القرار المصري بجميع الملفات وعلى رأسها ملف القضية الفلسطينية واستحقاقاتها مع إسرائيل.
ان ثورة مصر تدخل عامها الثاني ومازالت إرهاصات التحول فيها غير واضحة الوجهة، فالمصريون اليوم يبدو أنهم منقسمون حول ثورتهم وما أفرزته حتى اللحظة من نتائج فبعد تخطي إشكالية معادلة الدستور أم الانتخابات أولاً ورغم أن هذه الحالة وبحكم الالتزام بما تم الاتفاق عليه قبل الاستفتاء الذي اُجري والذي بدا واضحا أن نتائجه قد حملت بعض الأطياف السياسية التي خالفت النتائج توقعاتها للتنصل واصطناع مثل تلك الجدلية، فإن المنطق هنا يبقى مُلزما بما تم الاتفاق عليه مسبقاً للمضي حسب جدولة وآلية ما تم الاستفتاء عليه لسير عجلة التحول السياسي ومنه الدعوة إلى الانتخابات البرلمانية ومن ثم إعادة صياغة الدستور إن ارتأت أغلبية الإرادة الشعبية صياغة الدستور في هذه المرحلة بغض النظر عن ماهية وتوجه الطيف الذي سيُسيطر على مقاليد البرلمان، لكن المفارقة المستجدة في حراك الشارع هذه المرة هي اقرب وأميل منطقا وقانونا إلى الأصوات المنادية بتطبيق المعادلة القائلة بوجوب نقل قيادة البلاد من السلطة العسكرية إلى الحالة المدنية أي تسليم الحكم إلى سلطة مدنية انتقالية حتى يتم إجراء الانتخابات الرئاسية وما هو متعارف عليه في هذا الجانب هو أن قيادة مصر في مرحلة ما بعد مبارك رغم تسلم المجلس العسكري لها فإنها تبقى محكومة بتاريخ زمني انتهى في سبتمبر الماضي، يتم بعدها نقل قيادة البلد من الحالة العسكرية إلى الحالة المدنية ناهيك عن أن بند الفقه الدستوري - وحسب معلوماتنا في مثل هذا الوضع - هو اشد توجها من مطالب الشارع إذ يرى التشريع الدستوري تسليم السلطة لرئيس المحاكم الدستورية فترة محددة يتم من خلالها تشكيل رئاسة انتقالية مدنية تُسلم سلطة البلاد لقيادة رئاسية منتخبة عبر الصناديق، وجوهر ما يُطالب به المعتصمون في الميدان اليوم هو نقل سلطة البلاد للحالة المدنية ولا يأتي ذلك المطلب اعتباطاً من جانب الطيف المنادي بذلك إنما ينطلق من حسابات سياسية يتريب البعض من حصولها، إذ يرى طيف من الشارع وبعض النخب أن المعادلة السياسية في مصر تُدفع نحو توافق عسكري إسلامي لتقاسم سلطة حكم مصر تحت غطاء الديمقراطية وشرعية الانتخابات وهو ما يرونه مُناقضا لجوهر مطالب الثورة.
وهنا تحديداً يجدد المطالبون المشككون في سير العملية بنهجها الحالي إصرارهم على وجوب نقل سلطة قيادة البلاد الانتقالية من يد العسكر إلى الحالة المدنية قبل إعداد الدستور وحسب المتفق عليه ومجريات القانون إذ انهم يرون أن الإصرار على تشكيل الدستور في ضوء سلطة العسكر سيدفع إلى إعطاء امتيازات دستورية مُعينة تستثني المؤسسة العسكرية بموازنة مالية خاصة وكذلك بعض الامتيازات الأخرى التي قد تُفسح المجال للعسكر بالتدخل في الجانب السياسي للبلاد، ويرى ذلك الطيف من النخب والشارع أن ذلك سيُمرر طبعاً في ظل سيطرة إسلامية على مقاليد البرلمان المتشكل بصورته الحالية.
وهذا الأمر بالنسبة إلينا شخصيا وان كنا لم نرصد أي متخصص من الداخل المصري ممن نعتد بآرائهم الرصينة يؤكد حصول الدفع بذلك في واقع العملية السياسية المصرية الجارية فإنه في تقديرنا لا يخلو الأمر من وجود توجه خفي ودفع نحو حصول ذلك وهو ما سيفرز اقتساما للسلطة بشكل أكثر توافقية بين القوى المسيطرة على القواعد الشعبية والمؤسسة العسكرية.
وبالإضافة إلى هذا التوجس تبرز تفاعلات قضية المتهمين من العسكريين بإطلاق النار وأعيرة الخرطوش ضد المتظاهرين العزل التي يرى المحتشدون اليوم أنها لم تستوف حقها من الاهتمام الجاد من قبل المجلس العسكري وبالتالي التحقيق الفعلي والمحاكمات المنصفة وهو ما يعتبره المتظاهرون اليوم انه مؤشر لعدم جدية المجلس العسكري في تحقيق مطالب الثورة والتعامل مع الوضع على أنه نتاج ثورة أسقطت نظاما، وفي تقديرنا أن أزمة التشكيك في المؤسسة العسكرية قد تتسع في الأيام القادمة وسيزداد التساؤل حول ماهية المؤسسة العسكرية وإذا ما قد حصل لها تغير فعلاً في عقيدتها الأيديولوجية التي بني عليها الجيش المصري منذ بواكير تأسيسه وهل الحقبة الماضية من الحكم وما انتهجته من تبعية للسياسات الغربية قد أثرت فعلاً بثقافتها في تشكيل هوية الرتب العسكرية؟
وللحفر أكثر في الواقع العربي وثوراته لابد من الإطلال بعمق على واقع الثورة المصرية وآليات حراكها إذ ربما من خلالها يمكن تصور الواقع الذي تسير إليه المنطقة وهنا لابد من الرجوع قليلاً إلى عملية غزو العراق ، من الواضح جدا أن الإدارات الأمريكية والغربية تسعى بكل جهد لتغيير خريطة الواقع العربي على عدة أوجه فقبل غزو العراق كان هناك سيناريو للتغيير بالقوة المباشرة لكنه بعد التعثر في العراق قد اُستبدلت عملية التغيير بإحداث عملية التصادم من الداخل ومن خلال نظرية إثارة صراع الأضداد .
ولو رجعنا قليلا إلى واقع المنطقة العربية منذ بدايات الحرب الباردة سنجد أن الصراع على مواقع الحكم والقرار دُفع بتنشيط التصادم بين التيارات السياسية بشكل أيديولوجي حزبي، وقد انحصرت أكثر تلك الصراعات بين الأحزاب السياسية وفيما بين النخب وذلك للإمساك بزمام الحكم والسلطة في معظم البلدان العربية أما اليوم فان الدفع الغربي يتخذ شكلا اخر لإحداث منهجية الصراع وبما يتناسب مع المرحلة العصرية الراهنة، فالدفع اليوم من الواضح انه يتخذ صورة الصراع بين الطوائف على أسس دينية وعرقية واثنية وغيرها وقد بدئ ذلك فعلاً في المنطقة بشكله العملي فمن خلال زرع وتخصيب المنطقة بالفيروس المغذي لنعرات التعصب الاثني والديني ستتم إعادة تفكيك وصياغة الأوضاع السياسية للبلدان تماماً كما فعل بالحالة العراقية، وهو المشهد الذي أكد للدوائر السياسية الغربية والأمريكية المتصهينة فاعلية الاستمرار فيه لجدوى نتائجه وبالتالي وجوب استنساخه، ومن ذلك نعتقد ان الغرب اليوم بات مُصرا على ضرورة تشجيع وصول التيارات الدينية إلى مقاليد الحكم في المنطقة خلال السنين القادمة ونحن شخصيا قد كتبنا مقالا قبل أكثر من سبع سنوات تقريباً من هذا التاريخ تحت عنوان «هل يُصبح الإسلاميون والليبراليون أدوات للتغيير في الشرق الأوسط الكبير»، وقد لاقى ذلك المقال انتشارا في الكثير من مواقع مراكز الدراسات السياسية المتخصصة لملامسته واستقرائه الكثير من المحاور وتشخيصه صورة وأدوات التغيير للمنطقة، واليوم في تقديرنا ان ما يشترطه الغرب كعامل أساسي لإسقاط النُظم واستبدال التيارات الدينية بها هو تهجين تلك الحركات الإسلامية السياسية سواء منها ذات التاريخ العريق أو المستجد على الساحة العربية وجعلها ذات سياسات توافقية وقبول لإسرائيل كشرط لدعمها لتسلم سلطات القرار وكبديل لنظم الحكم القائمة في بلدانها، وهنا تبرز الحالة المصرية كمقياس وكمؤشر لمدى نجاح ذلك التهجين.
وفي تقديرنا أن من الأمور الحاملة لتغيير الغرب لسياساته تجاه استبدال الحكومات والنظم في المنطقة هو وصول الاقتصاد العالمي إلى مرحلة الانغلاق والاكتمال في دورة مراحله مما يستلزم توسعة محيطه بفك سلطة الحكومات المحورية عن القرار وتسلميها لقاعدة إدارة الجماهير الأكثر تشعباً وذلك لتكون المدخرات المالية أكثر تحررا وانسيابا في حركة الاقتصاد العالمي الرأسمالي، ومع وجود إسرائيل في المنطقة فان ذلك يتطلب تهجين الموقف الجماهيري والثقافة العربية للأمة وموقفها من إسرائيل إذ ان نظم الحكم القائمة لا تستطيع تمييع ذلك بشكل علني لعدة اعتبارات تتطلبها موازنات الحكم ولذلك يبدو أن المخططات الغربية الاستراتيجية البعيدة ترى أن الوقت قد حان لتحصيل ذلك من خلال قواعد حكم تأتي من بطون الجماهير وبخيارها الانتخابي إن أمكن.
ولتسليط الضوء والإيضاح أكثر فإن ما هو مطلوب للمستقبل العربي هو استنساخ تجربة الحكم الإسلامية التركية وطريقة تعاطيها البرلماني المتصالحة مع إسرائيل على باقي الدول العربية، إلا انه في تقديرنا أن الحالة التركية فارقة الإشكالات ومن أبرزها عدم عمق تماس الجانب التركي مباشرة مع إسرائيل سواء جغرافيا أو تاريخيا إنما في الحالة العربية فالأمر على النقيض من ذلك وهو ما سيُشكل عقبة حقيقية في وجه تلك التيارات الإسلامية المعدّلة الساعية للوصول إلى مراكز القرار ، ومع ذلك فإن كل المؤشرات تُنبئ بمضي هذا السيناريو بشكل مؤكد في باقي البلدان العربية فإذا تم تهجين الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في مصر واستطاعت إيجاد آلية تتماشى بها في الانفتاح على إسرائيل ثم تبنت شيئا من العمل السياسي المبني على البعدين الاثني والطائفي فان العملية ستمضي بالتمرير لباقي الواقع العربي.
وكما تقدم نحن شخصيا قد تطرقنا إلى بعض محاور هذا السيناريو التغيري للمنطقة في مقالات متقدمة، وهنا نعتقد أن الواقع العربي في بقاع الخليج سيكون اخر المناطق المعلقة للدفع فيها بالتغيير بهذا النهج وذلك بسبب عدة اعتبارات آنية، كما أننا هنا شخصيا نتفق في الكثير من المحاور مع ما أثاره الفريق ضاحي بن خلفان التميمي مدير شرطة دبي مع الاختلاف في بعض الجوانب للرؤية التي عرضها، ونحن قد كتبنا وبشكل مبكر انه على دول الخليج أن تتبنى الاعتماد على طاقتها في حماية ورعاية مصالحها الاقتصادية المغرية في السنين القادمة وهو ما أشار له الفريق ضاحي بن خلفان مؤخراً ، وأمانة من موقفنا المسكون بهاجس الخوف على الوضع العربي فنحن وكما قد وضعنا إصبعنا بالتشخيص منذ زمن على التيارات الإسلامية ذات التوجه المذهبي المُسيس وبفترة مبكرة فإننا نُحذر اليوم دول المنطقة من ترك العنان للتيارات الإسلاموية وأشخاصها الذين ينتشرون بشكل كثيف في دول المنطقة فهذه التيارات وهي في تقديرنا ستُحاول في هذه المرحلة صياغة أفكار ومشروع سياسي موحد مستقل ومستتر على امتداد تواصلها في بلدان الخليج، كما أن لديها الاستعداد الأكبر والبراجماتية الأخطر بالتلون تماشياً مع معادلة تبدل المصالح السياسية التي ستفرضها المرحلة القادمة من الأجندات الغربية وبشكل أكثر خطورة وعملية من غيرها، ناهيك عن أن غالبية أشخاصها ليسوا من أصول عربية أو عشائرية مُتجذّرة من بطون المنطقة ولذلك نشدد على ضرورة أن يتنبه صناع القرار إلى عدم إتاحة الفرصة لذلك الطيف الديني المُسيس بالتغلغل في مفاصل الإدارات في الدول في هذه المرحلة ومن الضرورة التحسب منه.
.