الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٩ - الاثنين ١٣ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


لكل جيل زمانه





ما أود ان أقوله هنا هو ان كل جيل يحاول فرض وصاية على الجيل الذي يليه، ومن ثم فإن أبناء جيلي من محبي الموسيقى، يعتقدون ان جيل الشباب فاسد الذوق، لأنه يستمع الى الأغنية «الشبابية»، وواقع الأمر انه لا توجد أغنية شبابية وأخرى شيخوخية، ولا أغنية هابطة وأخرى صاروخية، فالأغنية إما جيدة واما سيئة، من حيث الكلمات واللحن والأداء وما يراه زيد سيئا، قد يستسيغه عبيد، لأن للناس في ما يعشقون مذاهب، أنا مثلا لا يشدني غناء ام كلثوم وفريد الأطرش، ولكن ذوقي ليس مقياسا حاسما، وربما يكون فاسدا، لأن الملايين يعتقدون ان الغناء بدأ وانتهى بأم كلثوم، بينما افضل انا طبق فول بالثوم على الاستماع الى غنائها، وبنفس المنطق فإن الشاب الذي يرتدي قميصا واسعا صارخ الألوان، ليس بالضرورة فالتا، بل قد يكون ابن ناس بمعنى «مهذب وخلوق»، ولكنه لا يجد نفسه إلا بالتمرد على الأزياء المتعارف عليها، فهناك جيل من الشباب لا تعجبه رتابة أزيائنا الوطنية: بلد بكاملها رجالها ونسائها صورة طبق الأصل من بعضهم البعض من حيث المظهر؟ شيء رتيب وممل في نظر جيل متعولم، وإلى يومنا هذا فإنني متمرد على الجلابية السودانية خارج البيت لأنني لا طيق لف العمامة، ولو حزت جنسيات وجوازات جميع دول مجلس التعاون الخليجي لما وضعت الغترة والعقال على رأسي لان الضغوط التي عليه تكفيه.

وفي قريتنا في شمال السودان كان الناس يشككون في رجولة أي «رجل» يرتدي البنطلون العادي من منطلق أنه «فاضح ومحزق» ويشبه أزياء نساء الخواجات، وكتبت مرارا عن أن أبي كان يمنعني من الاستماع الى اغاني المطرب السوداني الراحل ابراهيم عوض لأنه استهل مسيرته الغنائية بأغنية تقول كلماتها «حبيبي جنني وغيَّر حالي»، وكان أبي مثل كثيرين من أبناء جيله يعتقد انه لا يليق برجل أن يقول ان الحبيب «جننه».

واذكر انني في بداية حياتي العملية والتحاقي بمهنة التدريس كنت لا أتعامل مع الحلاق إلا نحو ثلاث مرات في السنة، وكانت الموضة بين الشباب في ذلك الزمان هي الشعر المنفوش المنكوش المسمى «آفرو»، ولم أكن أترك شعري كثا وكثيفا وطويلا فقط مجاراة للموضة، بل بالأساس لضغط المنصرفات وترشيد الإنفاق بعدم التردد على دكان الحلاق كثيرا، وكانت المدرسة التي اعمل بها ملاصقة لوزارة التربية، فلجأ مدير المدرسة الى مدير التعليم الثانوي، وكان نوبيا من عندنا، كي يقنعني بقص شعري لأنه كلما حاول إرغام أحد الطلاب على قص شعره الكث الطويل قال له: انا احلق لما أستاذ جعفر يحلق، والتقى بي المدير النوبي «المرحوم دهب عبدالجابر»، وقال لي: مدير مدرستكم حاقد عليك لأنه أصلع!! وصرت أبتزّ مدير المدرسة: انا لا أحلق إلا في فندق جراند هوتيل بخمسة جنيهات واذا دفعت لي أتعاب الحلاقة فإنني سأقص شعري كل شهر، وخضع للابتزاز ذات مرة وناولني ثلاثة جنيهات وكانت تكفي وقتها لشراء دكان حلاقة، وذهبت الى الحلاق وطلبت منه ان يشذب شعري (نظير رُبع جنيه) من دون ان يقصره كثيرا، ولما رآني بعدها مدير المدرسة صاح: مدرسين آخر زمن، ولم يعد يطالبني بتقصير شعري، وبعدها بسنوات قليلة كنت قد أصبحت مدرسا تقليديا قصير الشعر ويا ويل الطالب الطويل الشعر من غضبتي النوبية التي تهتك حجاب الشمس او تمطر الدما





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة