العلاقات الأمريكية - المصرية على المحك
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٤ فبراير ٢٠١٢
بقلم: د. جيمس زغبي
لقد باتت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر على المحك، وحتى يتم نزع فتيل التوتر يتعين على الطرفين أن يغيرا المسار ويأخذا في الاعتبار انشغالات واهتمامات الرأيين العامين الأمريكي والمصري على حد سواء اللذين يحملان عن بعضهما بعضا أفكارا سلبية.
منذ تلك المظاهرات العارمة التي شهدتها السنة الماضية وأفضت إلى تنحي الرئيس حسني مبارك عن السلطة ظلت مصر تعاني انعدام الاستقرار فيما بدا الكثير من المصريين والأمريكيين غير متأكدين من المستقبل الذي ستكون عليه البلاد.
في أواخر شهر سبتمبر ٢٠١١ أجرت مؤسسة زغبي للبحوث والخدمات استطلاعا للرأي أكد المصريون من خلاله أن أولوياتهم السياسية ظلت على ما هي عليه ولم تتغير منذ تلك الأحداث الجسام التي هزت بلادهم ما بين شهري يناير وفبراير من السنة الماضية.
عندما استطلعنا آراء المصريين آخر مرة سنة ٢٠٠٩ قال أغلب المصريين الذين استطلعنا آراءهم أن أهم مشاغلهم تشمل تحسين الخدمات الصحية وتوفير مواطن العمل وتعزيز الفرص التعليمية ومكافحة الفساد والمحسوبية. أما في ذيل قائمة اهتمامات وأولويات المصريين فإننا نجد على وجه الخصوص تعزيز الديمقراطية وتعزيز الاصلاحات السياسية.
بعد مرور سنتين لم تتغير قائمة الأولويات والاهتمامات السياسية كثيرا، فالعمل والتعليم والرعاية الصحية لاتزال تتصدر القائمة فيما تظل المسائل المرتبطة بالديمقراطية تتذيل القائمة. وفي خضم الاضطرابات المتواصلة التي تهز البلاد وفي ظل المواجهة المستمرة ما بين المتظاهرين والبرلمان المنتخب والمجلس الأعلى للقوات العسكرية يقول أغلب المصريين ان منتهى ما يريدون هو تشكيل حكومة لا تكرس الفساد وتسخر كل طاقاتها لتوفير فرص العمل وتلبية الحاجات الأساسية للشعب المصري. لم يتغير هذا الأمر كما أنه لم يحدث.
رغم كل هذه المصاعب والتحديات فإن الأمل لايزال يحدو اغلب المصريين الذين يقولون ان التغيير سيتحقق لا محالة. لقد اظهر استطلاعان للرأي أجرتهما مؤخرا مؤسسة زغبي أن أغلب المصريين متفائلون وهم يتطلعون إلى تحقيق التغيير المنشود. لقد أظهرت نتائج استطلاع الآراء أن ثمانية من كل عشرة مصريين يعبرون عن أملهم في تحسين ظروف عيشهم في غضون الأعوام الخمسة القادمة، غير أن أكثر من نصفهم يتحفظون ويمتنعون عن توجيه النقد وهم يعتبرون أنه من السابق لأوانه الحكم على نجاح أو فشل المسار الحالي الذي دخلت فيه البلاد.
أما الأمر الذي لم يتغير فهو يتعلق بموقف المصريين من الولايات المتحدة الأمريكية، ففي منتصف صيف ٢٠١١ كان ٥% فقط من المصريين ينظرون بشكل إيجابي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهم يشددون على وجه الخصوص على السياسة الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل وتدخلها السافر في الشؤون العربية، تلك هي أهم الأسباب الكامنة وراء موقفهم السلبي من الولايات المتحدة الأمريكية، فقد اعتبر ٨٩% من الذين استطلعنا آراءهم أن «السياسات الأمريكية لا تسهم البتة في تحقيق السلام والاستقرار في العالم العربي».
المرة الأولى على مدى عشرين سنة من استطلاعات الرأي التي أجريناها حول موقف الأمريكيين من العالم العربي نجد أن الأمريكيين أنفسهم قد أصبحوا يحملوا نظرة سلبية عن مصر، ففي الماضي كانت مصر تحصل على نتائج جيدة في استطلاعات الرأي الأمريكية. ومنذ التسعينيات من القرن الماضي، ظلت المواقف الأمريكية الإيجابية تتراوح ما بين الخمسين والستين بالمائة. أما المواقف السلبية من مصر فهي لم تكن تتجاوز قرابة ٢٠%. في آخر سنة من فترة حكم الرئيس حسني مبارك تراجعت المواقف الإيجابية تجاه مصر لتصل إلى ٤٠% غير أن هذه المواقف الإيجابية زادت بأكثر من ٢٠% بفضل التغطية الإعلامية الإيجابية للمظاهرات العارمة في ميدان التحرير. كان ذلك قبل سنة من الآن.
أجري آخر استطلاع للرأي في شهر يناير ٢٠١٢ لحساب جامعة نيويورك في أبوظبي وقد أظهر أن استمرار الاضطرابات في مصر وسياسات المجلس العسكري والتساؤلات حول دور القيادة السياسية الجديدة المنبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين قد أحدثت تغييرا جوهريا وعميقا في طبيعة الانطباعات الأمريكية حول مصر. لقد أظهرت نتائج ذلك الاستطلاع أن ٣٢% فقط من الأمريكيين لايزالون على موقفهم الإيجابي من مصر في مقابل ٣٤% يتخذون موقفا سلبيا بينما يقول ٣٥% انهم «غير متأكدين».
لقد أظهرت نتائج استطلاع الرأي أيضا أن بعض الأمريكيين غير مرتاحين للتطورات السياسية في مصر، فلدى سؤالهم تحديدا عن شعورهم بخصوص الفوز الساحق الذي حققته جماعة الاخوان المسلمين في الانتخابات التي أجريت مؤخرا اعتبر ٤% منهم فقط أن ما حدث يمثل «تطورا إيجابيا لمصر» فيما اعتبر ٩% أن «تلك النتائج هي محصلة انتخابات ديمقراطية ولابد بالتالي من القبول بالنتائج». وبالمقابل فإن ٢٦% منهم يعتبرون أن تلك النتائج الانتخابية تمثل «انتكاسة لمصر» (وهو الموقف نفسه الذي يعبر عنه ٤٢% من الجمهوريين).
إن هذه الأرقام والنسب المئوية مهمة، فالمصريون يركزون في الحاجة إلى تحسين ظروف معيشتهم من الناحية المادية. لا يمكن للحكومة العسكرية أو البرلمان الجديد أن يتجاهلا مشاعر التفاؤل التي يعتبر سقفها مرتفعا (وقد تكون أيضا غير واقعية).
بالمقابل يجب على الثوار المصريين الشبان أن ينتبهوا لحقيقة مهمة ولا ينجرفوا بالتالي وراء المشاعر. قد يكون الرأي العام لايزال على تأييده لـ «الثورة» التي أطاحت بالنظام القديم غير أن ما يريده الشعب المصري يشمل ايجاد فرص العمل وتحسين ظروف عيشهم بشكل ملموس.
لعل الشباب الثوار على حق عندما يوجهون انتقاداتهم للمجلس العسكري والأجهزة الأمنية ورغم أهمية المطالب التي يرفعونها فإنه لابد لهم أن يحرصوا على عدم التفريط في تأييد الرأي العام أو السماح للمجلس العسكري بإحداث قطيعة بين الثوار الشباب من ناحية والرأي العام المصري من ناحية ثانية.
إن القادة المصريين - بقديمهم وجديدهم - مطالبون اليوم بالتمعن في التراجع الكبير في تأييد الرأي العام الأمريكي لبلادهم، ففي الماضي كانت مصر تعول على مثل هذا التأييد الأمريكي الإيجابي. في الحقيقة فإن الأمريكيين لا يعرفون مصر حق المعرفة. إنهم لا يعرفون من مصر سوى الأهرام وأبوالهول كما أن الساسة في واشنطون كانوا دائما يدركون أنه يمكنهم دائما الاعتماد على الدعم المصري لسياساتهم، الأمر الذي يجعلهم يتحدثون بشكل إيجابي عن مصر وزعيمها.
لقد تغير هذا الأمر اليوم وقد أظهرت استطلاعات الرأي مدى تأثير هذا التغير. لذلك اذا كان المجلس العسكري والحكومة يريدان أن يجازفا بالدخول في مواجهة مع سلطات واشنطون فإنهما قد يتسببان في مزيد من تآكل تأييد الرأي العام الأمريكي لبلادهم كما أن عدد حلفائهم قد يتقلص أكثر من أي وقت مضى.
يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تنتبه أيضا لنتائج استطلاعات الرأي، فقد تكون رغبة الأمريكيين في نشر الديمقراطية في مصر نبيلة غير أن مكانة الولايات المتحدة الأمريكية - في مصر والمنطقة - قد لامست الحضيض. إن المصريين يريدون قبل كل شيء من الولايات المتحدة الأمريكية تغيير سياستها الإقليمية والمساهمة في بناء قدرة بلادهم على تلبية حاجات شعبها الأساسية.
* رئيس المعهد العربي الأمريكي
.