الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨١ - الأربعاء ١٥ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


وجهة نظر تربوية حول تحسين الزمن الدراسي





في الوقت الذي يشرع فيه بعض الدول إلى تمديد السنة الدراسية، نجد في البحرين من يعترض على تحسين الزمن الدراسي ومرجع ذلك من وجهة نظري أن هناك دائماَ في أي مجتمع من يقفون ضد التغيير، إذ ان الحاجز النفسي في تقبل الافكار الجديدة هو الذي يعطل حركة التغيير في المجتمع ومسايرة ظروف العصر . إذا كنا دائماَ نقول عن أنفسنا اننا دول متخلفة فيجب أن نبدأ بالتغيير ونضحي من أجله ، وأهم مرفق نبدأ به هو التعليم .

نحن هنا في البحرين نعاني هدر الوقت خلال السنة الدراسية ومصدر هذا الهدر هو الإجازات خلال السنة الدراسية ، وهذه حقيقة لا يمكن أن ننكرها أو نتجاهلها، إذ ان المتوسط العالمي لعدد الساعات الدراسية يبلغ ٢٧ ساعة أسبوعيا، ويبلغ عدد الأيام الدراسية في سنغافورة واليابان على سبيل المثال ٢٢٠ يوما في السنة، فيما يبلغ هذا العدد في الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا ١٩٠ يوما.

ان التطور الذي يحدث في المعرفة وخاصة المواد العلمية والمهارات التي يجب أن يكتسبها الطالب في عصر اقتصاد المعرفة يحتم علينا التفكير جيداَ في المشروع الذي تقدمت به وزارة التربية والتعليم وننظر بواقعية، حيث ان الطالب لدينا لا يأخذ الوقت الكافي في الحصة الدراسية ليس من ناحية نصيب المادة العلمية التي يقدمها المعلم للطالب ضمن المنهج الدراسي، إنما المعلم ملزم بإكساب الطالب مهارات في التفكير والاتجاهات والقيم، ومن وجهة نظري التربوية ومن واقع تجربتي في التدريس وجدت أن زمن الحصة الدراسية غير كافَ لقيام المعلم بكل ما يريد أن يقوم به ويوصله إلى الطالب.

في دولة الإمارات العربية اتجهت الدولة منذ عام ٢٠٠٩ إلى زيادة عدد أيام السنة الدراسية بعد دراسة أعدّها الباحث مايك هلال خلصت الدراسة إلى أن الطلبة في دولة الإمارات يقضون في الصفوف الدراسية ساعات تقلّ نسبتها عن تلك التي يقضيها الطلبة في بلدان أخرى، مما يجعلهم متأخرين عنهم بمدة زمنية تبلغ يوما كاملا كل أسبوع، وتقترح الدراسة أن تعمد وزارة التربية والتعليم إلى تمديد العام الدراسي في الدولة لكي تتوافق أوقات الدراسة فيها مع المعايير العالمية، وتقول الدراسة إن عدد الأيام الدراسية في مدارس الإمارات تبلغ ١٧٥ يوما، منها نحو ٢٠ يوما مخصصة لأداء الامتحانات. فيما يتألف اليوم الدراسي الواحد من ٥ ساعات يضاف إليها زهاء ٣٠ دقيقة استراحة ليكون مجموع ساعات الدراسة أسبوعيا ٢٢,٥ ساعة.

وفي اليابان كشف النقاب عن أن طلبة المدارس اليابانيين يقضون وقتا أكبر في تحصيل المواد الاساسية في مسعى لتعزيز مستويات الطلبة الاكاديمية بعد شهور من تراجع البلاد في التصنيف العالمي للتعليم وتلغي التغييرات الجديدة هناك المقرر تطبيقها تدريجيا اعتبارا من العام الدراسي الذي بدأت فيه التجربة اصلاحات بدأت منذ عام ٢٠٠٠ بهدف تهيئة بيئة أكثر (استرخاء) للطلبة تساعد على تنمية قدراتهم الابداعية والحد من التعليم الذي يعتمد على الحفظ .

يجب علينا أن ندرك أن تطور متطلبات العصر ومستجداته يستلزم إعادة النظر في كثير من الأمور ولعل أهمها ما يتعلق بالتعليم، حيث ان زيادة الفترة الدراسية بأي شكل حاجة تفرضها ضرورات العصر، وان تحسين فترة اليوم الدراسي ليس القصد منه زيادة الحشو في المادة الدراسية بقدر ما هو تغيير يفرضه تطور مسيرة التعليم في تنمية جميع جوانب شخصية الطالب الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية ،مما يصقل مواهب الطالب و يطور مهاراته الحياتية.

هناك كثير من الايجابيات في تجربة تحسين الزمن المدرسي منها:

- تعزيز العلاقة بين المعلم والطالب حيث ان الفترة الزمنية الحالية لا تسمح للمعلم بأن يعطي كل طالب حقه من هذه العلاقة بسبب انشغال المعلم بأجندة معينة عليه انجازها .

- ان المعلم بحاجة الى تعزيز المنهج الدراسي والأنشطة الإثرائية تحت اشراف المعلم وهذا يحتم عليه مزيدا من الزمن.

- الطالب بعد انتهاء اليوم الدراسي بحاجة الى فترة استراحة في البيت ولذا فأن الفترة التي يقضيها في المدرسة توفر له ذلك.

- تحسين الفترة الزمنية للحصة الدراسية من شأنه أن يساعد المعلم على مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب في الفصل الدراسي حيث ان الفترة الزمنية الحالية خصصت لفئة من الطلاب وهم العاديون حيث ان هناك في الفصل الدراسي مستويات متعددة مثل الطلبة ذوي التحصيل الدراسي الضعيف والطلبة المتفوقين الذين هم بحاجة الى رعاية خاصة من المعلم .

- ان جودة الاداء التعليمي خلال الحصة الدراسية تعتمد على تسلسل مراحل سير العملية التعلمية، فهناك اولا التهيئة للدرس ثم الولوج للدرس التعليمي ثم عملية التقويم مع الاخذ في الاعتبار تنوع الوسائل والانشطة وهذا يستلزم تحسين الفترة الزمنية الدراسية.

- ان تحسين الفترة الزمنية من شأنه أن يعمل على تهيئة الطلبة للتعليم العالي حيث الفترة الزمنية الطويلة ، ومن ناحية اخرى تطوير مهارات الطلبة قبل انخراطهم في التعليم العالي وخاصة في مواد معينة مثل اللغة الإنجليزية والرياضيات.

من ناحية أخرى على وزارة التربية والتعليم تهيئة الظروف المناسبة كافة لإنجاح التجربة التي تعهدت بتنفيذها، حيث ان الكثير من الطلبة يبدون انزعاجهم من نوعية الاغذية المتوافرة وعدم وجود مظلات كافية الحامية من حرارة الشمس وكذلك عدم تهيئة دورات المياه بالشكل المطلوب، من جهة أخرى، يشتكي الطلبة من عدم وجود غرف مهيأة خاصة للصلاة ناهيك عن عدم جاهزية مراكز مصادر التعلم لاستقبال عدد كبير من الطلبة في أوقات الفراغ. كل هذه الأمور لابد أن تكون قد عولجت من قبل وزارة التربية والتعليم بما أنها انطلقت في تطبيق المشروع ابتداء من الفصل الدراسي الثاني من العام الحالي. عدا عن ذلك، لابد أن تكون هناك ،بعد سنة من تطبيق التجربة، دراسة علمية تقييمية لمعرفة جوانب القوة والضعف حتى يمكن معالجة أي قصور في التجربة لتطويرها وهذا بالطبع شيء متوقع.

لابد أن يعي أبناؤنا وبناتنا الطلبة والطالبات أننا نعيش في فترة حرجة من الزمن وعصر متطلب متزايد الحاجات، يحتم علينا أن نفكر في بناء عنصر بشري متكامل اجتماعيا واكاديميا ونفسيا وشخصيا، فاعل في مجتمعه وأسرته، مؤدي واجباته تجاه وطنه على أكمل وجه، ساع من أجل تشريف بلاده في كل بلد وكل محفل، كل ذلك لا يمكن أن يحدث ونحن قعود نتفرج على غيرنا من الدول وهي تطور عنصرها البشري من شتى الاتجاهات ونحن مازلنا نحكم على ابنائنا من درجاتهم الدراسية فقط في تفوقهم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المسؤولية التي تقع على عاتق أولياء الامور الكرام لابد انها كبيرة بالفعل، حيث انهم من يؤسسون لأفكار تدفع أبناءهم إلى الإنتاجية والعمل النافع من أجل الوطن، وهم من يساعدون على تشكيل آراء أبنائهم وأفكارهم حول نجاح هذا المشروع من عدمه. لذلك لابد أن يعملوا على تشجيع أبنائهم على استثمار هذا التحسين في الزمن الدراسي من خلال المشاركة في الانشطه المقامة داخل المدرسة وعلى مستوى المملكة، وكذلك المشاركة الفاعلة في المؤتمرات الدولية والمحلية التي من شأنها أن تصقل مهاراتهم ومواهبهم. كذلك لابد أن يدفعوهم إلى قراءة الكتب والروايات التي تعد المعلم الصامت لنا ولأبنائنا مما قد يعيد امة اقرأ إلى القراءة مجددا. ونؤكد مرة اخرى أن قرار تحسين الزمن الدراسي حاجة ملحة تقتضيها متطلبات العصر من جهة والدفع بعجلة التنمية للمجتمع البحريني من جهة أخرى، وعليه لابد من كسر حواجز الخوف والقلق من خوض هذه التجربة وفتح نوافذ نحو أفق أرحب لمستقبل التعليم في البحرين الذي نراهن على نجاحه في تحقيق أهم أهداف رؤية البحرين الاقتصادية .٢٠٣٠



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة