ضاد... زول
 تاريخ النشر : الأربعاء ١٥ فبراير ٢٠١٢
جعفر عباس
قبل بضع سنوات كنت في حفل مقام في فندق فخم في العاصمة القطرية الدوحة عندما اقتربت مني امرأة سمراء وسألتني: أنت سوداني؟ قلت لها: لا سويدي! وضحكنا، كانت السمراء مستشارة بالسفارة الأمريكية، فقلت: يا ما أنت كريم يا رب . . فرجت أخيرا. . لا بد انها توسمت فيّ خيرا وقررت تجنيدي للعمل في المخابرات الأمريكية، قالت لي إنها احبت السودانيين في وقت لم تكن فيه قد سمعت بالسودان عندما كانت طالبة جامعية في أوائل السبعينيات وجاءت إلى البحرين في إطار جولة سياحية وكان مدير الفندق الذي أقامت به سودانيا وانزعج الرجل عندما علم أنها لم تتصل بأهلها منذ عدة اشهر ولأنها كانت صغيرة السن و«تصيع» بمفردها واقنعها بضرورة طمأنة اهلها على أحوالها ولما قررت السفر إلى الكويت اتصل بسوداني يقيم هناك وأوصاه ان يهتم بها، وقد كان: بمجرد وصولها إلى الكويت حلف السوداني الذي استقبلها في المطار ان تقيم مع أسرته طوال فترة وجودها هناك، وكانت الدبلوماسية الأمريكية حزينة لأنها فقدت الاتصال بذينك الشخصين وان كانت لا تزال تذكر اسميهما واسماء عيالهما، وكاد ان يغمى عليها عندما قلت لها ان الشخص الذي استضافها في الكويت هو عم زوجتي وان الذي رعاها في البحرين زوج عمة زوجتي!! قالت لي انها بعد ان تعرفت على عشرات السودانيين لاحقا باتت تعرف ان نصف اهل السودان يعرفون بعضهم البعض ولكن لم تكن تتوقع ان اول سوداني تلتقي به في الدوحة سيكون على صلة بأول سودانيين التقت بهما.
ما قالته مارغريتا راغزديل وهذا هو اسمها، صحيح، فالمهنيون professionals السودانيون اكتسبوا سمعة طيبة وعالية في المهاجر واذكر ان راديو بي بي سي الانجليزي قال في سياق تغطية اخبار الانتفاضة في إبريل ١٩٨٦ انها بقيادة المهنيين وأضاف أن السودان به طبقة مهنية هي الأفضل تأهيلا في الشرق الأوسط (يا حليل زمان ويا حليل بضع سنوات عندما تصبح «زمان»)، ومن تجربتي في منطقة الخليج اعرف انه ما من شركة او مؤسسة الا وفيها محام او مترجم سوداني، فسمعة السودانيين في مجالي الترجمة والقانون والتدريس بالذات كانت عالية.
إن اكبر معروف قدمه لنا الانجليز خلال سني حكمهم لبلادنا هو انهم لم يجعلوا التعليم في المرحلة الابتدائية باللغة الانجليزية، فمكّننا ذلك من الاحتفاظ بلسان عربي كنا نصقله في المراحل المتقدمة من الدراسة، بمناهج تتطلب ملكة لغوية وقدرة على التعبير، وساعد أبناء جيلنا على ذلك ثبات واستقرار المناهج مما خلق تواصلا بين الأجيال المدرسية، ولكن جاءت الطامة مع بدء تسييس المناهج، فمنذ ان ولغ نظام المشير جعفر نميري في العملية التعليمية لم ير التعليم العافية، وبالتأكيد فان المناهج في ظل حكم نميري لم تكن كلها بائسة ولكن الحكومات التي أعقبتها كانت مهتمة بمحو بصمات نميري وترك بصماتها هي اكثر من اهتمامها بجدوى ومحتوى المناهج، ومن غريب ما فعله منافقو إدارة المناهج بوزارة التربية على عهد نميري انهم جعلوا حرف الضاد يرمز إلى «ضابط»، في السنة الاولى الابتدائية بدلا من «ضبع» أو «ضرب»، وكانت النتيجة ان تراجع الدرس مع طفلك في البيت وتسأله: «ض» شنو؟ فيقول لك: ض، زول.. فصغارنا يعرفون ما لم يكن يعرفه منافقو الحكام الذين أرادوا ان يصوروا «الضابط» ككائن مميز ومختلف عن البشر!
jafabbas١٩@gmail.com
.
مقالات أخرى...
- طولوا بالكم يا شباب! - (14 فبراير 2012)
- لكل جيل زمانه - (13 فبراير 2012)
- اعملها تاني يا عبعزي - (12 فبراير 2012)
- نوبل تهبل وتهَبِّل - (11 فبراير 2012)
- الثقافة غير «السقافة» - (10 فبراير 2012)
- الفلوس والتيوس - (9 فبراير 2012)
- ادفعوا فالحل عندي! - (8 فبراير 2012)
- نوائب الزمان - (7 فبراير 2012)
- نعم استنكر.... ولكن - (6 فبراير 2012)