الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٢ - الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


كي لا نسقط في مربع الفشل ونقتات على الشعارات





إلى الإعلامي القدير الصديق كمال الذيب: هل تذكر أنك لمتني مرات حين كنت أكتب مقالا أسبوعيا في جريدة الميثاق اليومية (المتوقفة حاليا إلى أجل غير مسمى) محتجا على حدة مقالاتي الموجهة في غالبها إلى أداء الحكومة بعد الانفتاح الذي أتاحه مشروع جلالة الملك الإصلاحي لدرجة اتهمتني بأني أشد على الدولة في تلك الكتابات مما كنت تسميه المعارضة الطائفية نفسها، واذكر انك كثيرا ما تساءلت مستفزا كعادتك معي: ألا تكون وفاقيا ونحن لا ندري يا حسن؟ وكنت تتساءل محتجا وهل الدولة مخطئة على الدوام؟ الا ترى في جهودها ما يستحق التثمين من باب التشجيع على التقدم في طريق الإصلاح وبناء الديمقراطية؟ وأذكر انك كنت تردد دوما ان نصف ديمقراطية أفضل من لا ديمقراطية وان نصف دولة مدنية، أفضل من دولة يحكمها المتزيون بزي الدين، لانها لن تكون وقتها دولة اصلا، وكنت كثيرا ما تقول ان حركة التاريخ مع قوى الاصلاح والتغيير، التي تحتاج الى تلطف وتفهم ودعم من المستنيرين أمثالك، فالتطرف والعدمية يسهمان في تعطيل حركة التاريخ.

قلت لي ذلك في وقت كانت فيه الوفاق انذاك تعيش شهر عسل متقطع مع الحكومة، وبعد كل التحولات السياسية والاجتماعية وبعد أن فقد الكثيرون من كل الأطراف توازنهم مع أحداث (١٤ فبراير ٢٠١١) أجيبك يا صديقي أنه لم يتغير موقفي من الأخطاء والتجاوزات والانتهاكات أيا كان مصدرها، ومازلت وسأبقى أكتب عنها وأناقشها مهما كان ثمن هذا الموقف الذي اراه وطنيا ونزيها ومحبا لهذا البلد واهله، وليس معنى مناقشتي لأخطاء الدولة الآن أو في السابق أنني مع «المعارضة» بهيكليتها الطائفية الحالية.

فثمة فرق يا صديقي بين من يكون شديدا على الدولة ومن يكون شديدا على الأخطاء، ومهما بلغت الجرأة في مناقشة الأخطاء فلا ينبغي بحال من الأحوال أن تصل إلى العمل على هدم الدولة أو القول بذلك أو حتى التغاضي عنه، ولا يمكن ان اقف ويجب ألا يقف كل نزيه موضوعي من الجهود التي تبذل موقفا عدميا، وأنت تعلم كم يصيبني كل يوم من الشتم والتشويه وكم يؤكل لحمي علنا في مواقع التواصل الاجتماعي وفي منتديات حقيقية وافتراضية عدة من ضمنها مواقع تصف نفسها بأنها «وفاقية الهوى» لا تتورع عن السب والشتم والتشهير، كل ذلك بسبب موقفي الذي لم ولن احيد عنه، مثلما يفعل اصحاب التحولات الجمبازية والمتاجرون في لحم هذا الوطن، وأتوقع أن جل السبابين الشتامين يعرفون جيدا أنني لست مع أخطاء الدولة رغم كوني مع الدولة التي تحتاج إلى الإصلاح على الدوام وتحتاج إلى تضافر جهود أبنائها وبناتها وإلى عقولهم وسواعدهم للارتقاء بها.

نعم يا صديقي أنا مع الدولة التي تتيح لي ولغيري الإشارة إلى الأخطاء علنا ومناقشتها في النور، بل في وسائل الإعلام التي توصف بأنها رسمية أو شبه رسمية، مع الدولة التي تستقدم بمحض إرادتها لجنة دولية لتقصي الحقائق لتقرر أن الدولة مخطئة وتحتاج إلى الإصلاح وتعويض الأضرار من دون مكابرة، ثم تشرع فعليا في ذلك الإصلاح، ولست مع «المعارضة» التي تعتمر عمامة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وترتبط بالخارج ولا تقبل النقد باعتبارها معصومة من الخطأ في الوقت الذي تتسبب فيه بالفتن والاستهانة بأرواح الناس وسلامتهم ولا تعير أدنى اهتمام إلى أرزاقهم وراحتهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم، بل تستغلهم وتتاجر في معاناتهم لتسجل نقاطا على الحكومة، وقد ورطت تلك «المعارضة» الكثيرين من المعتدلين في صفوفها وأفقدتهم حريتهم في التعبير عن الرأي والمبادرة لتجنيب الناس كل تلك الأضرار بدكتاتورية لا تضاهيها دكتاتورية، ولدي شواهد كثيرة على ما أقول سأكشف عنها في المستقبل.

وأنا اليوم يا صديقي أؤكد لك رأيي الذي لا أظنك تجهله بحكم علاقة الصداقة والزمالة التي تربطنا منذ اكثر من عقدين من الزمن ولما تتصف به من ذكاء ودقة ملاحظة ومتابعة حثيثة للشأن المحلي: إنني مع منطق الدولة ضد منطق الفوضى ومع النسبية وضد القداسة والتقديس للعمل الانساني والقول الانساني ومع النزاهة والموضوعية، ولست ولا يمكن ان اكون مع التهريج الذي يقول علانية «كل شيء صفر وعدم» وهو يرتع ويتمرغ في خير البلد، الذي اطلق يده ولسانه ومكنه من أن يقول ويحتج، من دون ملاحقة او تكميم مثلما يحدث في جمهورية الاستبداد، وحليفتها جمهورية النكبة، واعتقد أننا جميعا مساهمون في بناء البحرين «الدولة» في مقابل دعوات الفوضى، ويجب ألا نسمح لأحد كائنا من كان بأن يحمل معول الهدم في وجهها حتى لو أخطأت.

وقد قلت لك من قبل: ليس معنى نقدي لأخطاء الدولة أنني ضدها بالمطلق، لأني أعتقد أن النقد الموضوعي حاجة للدولة الحديثة كما هو حاجة لـ«المعارضة» الوطنية، وإنني ضد منطق الفوضى والانفلات في الأقوال والأفعال أيا كان مصدره، وضد منطق التسقيط ودعوات الموت التي تلقن للأطفال والنشء والشباب اليوم، ضد فتاوى «السحق» والقتل، ذلك المنطق الأعوج الذي تشيعه جهتان رئيستان في البحرين هما «المرجعية» و«المعارضة»، ولا أجامل في ذلك أحدا كائنا من كان، وإنني مع المصارحة والمحاسبة والمساءلة وتفعيل الأدوات الرقابية وتطبيق القانون الذي لا يبتسم في وجه فئة ويكشر في وجه أخرى، ومع «الإصلاح» التدريجي الحقيقي والجاد الذي لا يحرق المراحل ومع تسريع وتيرته بما يتواكب مع تطلعات أبناء البحرين.

يا صديقي.. أنا لست مع «الثورة» المزعومة التي تبغي «إسقاط النظام» بمساعدة الخارج ليؤول أمرنا إلى الفوضى والضياع والشتات لنلتحق بركب «الدول الفاشلة» التي يفطر شعبها كل صباح ويتغدى مع كل ظهيرة ويتعشى ليليا على الشعارات، والأوهام، وأحلام اليقظة، وتمجيد القائد الضرورة، وصدقني انني ومعي كل المخلصين وأنت أحدهم أقسى على الفساد والمفسدين من المدعين الذين ملأوا الدنيا ضجيجا في القنوات الفضائية الإيرانية والعراقية المرتبطة معها، لكننا نبدو أيام الرخاء كأننا ضد الدولة ولسنا كذلك بالطبع، ونبدو في أيام الشدة أننا مع أخطائها ولسنا كذلك أيضا.

اليوم وبعد سنوات أرد على سؤالك واستفزازك الجميل اللذين لا ينقطعان: لقد فضلت ان يكون ردي كتابة رغم أنك قلت ما قلت شفاهة، فعذرا يا صديقي.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة