شباب الفاتح وصحوة الضمير
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠١٢
لا يختلف اثنان على أنّ جميع الشرفاء والمخلصين يقرّون شرعية النظام والحكم في مملكة البحرين تحت قيادة العاهل المفدى ملك البلاد - حفظه الله - إنما جوهر الخلاف يكمن في نظرة فئة من العقلاء والناقدين إلى شريحة كبيرة في المجتمع تتصف بالانصياع التام والطاعة العمياء، وهذا ما يتنافى تماما مع مبادئنا الإسلامية وأصالتنا العربية، اللتين تدعان إلى أهمية بروز مبادئ الشورى، وضرورة تفشّي قيم النصح والتناصح ولاسيما بين الحاكم والمحكوم.
وما حملته الأيام الماضية في جعبتها وتلك الوقفات التي تحدث بين فترة واخرى ليست إلا تطبيقا سليما لتلك المبادئ النبيلة، التي يتبنّاها شباب «صحوة الفاتح»، ذلك الخليط من الشباب الواعي بعقله والراقي بفكره، أولئك الشباب الذين برزوا في ساحة الحقّ، وذاع صيتهم لدى أصحاب العقول والضمائر الحيّة، أولئك الذين يسعون جاهدين لاسترداد جميع الحقوق المكفولة لأبناء هذا الوطن الحبيب، ومطالبتهم لمسئولي هذا البلد بوجوب الالتزام بالقوانين المشروعة، المستمدة من دستورنا المتأصل بقرآننا العظيم وسنة نبينا الكريم، في حين ان هذين النصح والإرشاد لم يأتيا إلا من باب: «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين».
ومع ظهور هذه الكوكبة اليانعة التي تستمد فكرها وجوهر عملها من قول الله جلّ في علاه: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون»، فإنه بلا شك سيظهر لنا جزء كبير من تلك الشريحة المنصاعة، بل ستعمل مخالبها على تشويه هذه الأفكار الراقية وهذه المبادرات الصادقة. ولن تقف عند هذا الحدّ، إذ انها ستعمل كذلك على زرع الفتن ونشر الشائعات - ودسّ السمّ بالعسل - بل أكثر من ذلك انها ستنعت هذه «الصحوة» بالمعارضة الخطرة لوليّ الأمر، وستتهمها بالشذوذ والتفريق وشقّ الصفّ، وأنّ اعتراضها على بعض ما يجري في البلد لهي مخالفة عظيمة وزلّة لا يمكن غفرانها. في المقابل، ستظل - للأسف الشديد - هذه الفئة غارقة في «التطبيل» والتصفيق لكل ما هو سيئ، فضلا عن كل ما هو حسن، كأن ما يصدر عن السلطات العليا هو قرآنٌ منزلٌ معصومٌ عن الخطأ.
من جانب آخر، فإن الخطأ والاعوجاج أمرٌ وارد في كل موطن، وليس هناك من هو معصوم غير الأنبياء والرسل، وهذا ما دعا سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يقول - في حال اعوجاجه: «الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوّم عمر بسيفه». علاوة على ذلك، فإن في مظاهر التحرر التي دعا إليها ديننا الحنيف، والديمقراطية التي كفلها جلالة الملك - حفظه الله ورعاه - ما يدعو إلى ضرورة التواصي والتناصح، عطفا على أهمية اندماج السلطة بالشعب، وتوفير الجوّ الملائم لإبداء الرأي وحرية التعبير.
في الواقع، انه حريّ بكل عاقل في هذا الوطن الغالي أن يعي بصدق توجه أولئك الشباب و«صحوة الضمير» تلك، التي تطالب بتطبيق شرع الله. وعلى كل مسئول يعشق تراب هذه الأرض الطيبة التعاون مع المخلصين والأوفياء من الشعب الذين أثبتوا حرقتهم على الوطن، والتشاور معهم وأخذ آرائهم والاستجابة لمطالبهم. ولكي يصبح هناك حبّ حقيقي نقيّ بين الراعي والرعية، فإنه يجدر أن تتبلور علاقاتهم بالتكاتف والاحترام المتبادل، المنبثقة من انتماء وولاء كلّ من المواطن والمسئول لوطنه، ومن خلال التزام كلّ طرف بحقوقه وواجباته.
صالح يوسف صالح
.