الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٩ - الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


كم خسرت الصين ماليا بسبب التلوث؟





الكُل منبهرٌ بالطفرة الاقتصادية الكبيرة والمستمرة التي حققتها الصين خلال العقود الماضية، حيث بلغت نسبة النمو الاقتصادي أكثر من ١١%، وهذا النمو الكمي المشهود في الاقتصاد يتسابق الكثير من دول العالم إلى تحقيقه والوصول إليه بشتى الوسائل والطرق دون النظر إلى تبعات وانعكاسات هذا النمو على الجوانب الأخرى، ولاسيما الجانب الصحي البيئي والجانب الاجتماعي والسياسي، وما تنجم عن هذين الغفلة والتجاهل لهذه الأبعاد من خسائر مالية فادحة قد تدمر هذا النمو الاقتصادي الذي تسعى الدول إلى بلوغه.

فالصين وقعت في هذه الحفرة العميقة التي حفرتها أيديهم لأكثر من ثلاثين عاماً، وهي تواجه الآن هذا المطب الشائك الذي أصبح حجر عثرة أمام استدامة التنمية الاقتصادية.

فقد حذرت الأكاديمية الوطنية الصينية للتخطيط البيئي

)gninnalP latnemnorivnE rof ymedacA esenihC( التي تعمل تحت مظلة حكومية هي إدارة حماية البيئة، من أنَّ الكُلفة المالية لإهمال البيئة وعدم حماية مواردها ومكوناتها الطبيعية الحية وغير الحية في ارتفاعٍ مستمر بسبب التنمية العمياء وغير المنضبطة التي أخذت على عاتقها النمو الاقتصادي فقط وعلى حساب جميع الأبعاد والجوانب التنموية الأخرى.

وجاء هذا التحذير الحكومي من خلال التقرير الدوري الذي تنشره هذه الأكاديمية منذ عام ٢٠٠٦ تحت عنوان: «الدراسة المحاسبية الوطنية الخضراء للصين»)ydutS gnitnuoccA lanoitaN PDG neerG(, حيث قدرت كُلفة الدمار الشديد الذي وقع على جميع مكونات البيئة وصحة الإنسان بقرابة ٢٢٢ بليون دولار أمريكي في عام ٢٠٠٩، وارتفع في عام ٢٠١٠ بنسبة ٩,٢%. كما جاء في التقرير أن الصين صرفت في عام ٢٠١٠ فقط نحو ٣,٨% من الناتج المحلي الإجمالي)PDG( على المشاريع الخاصة بإعادة تأهيل البيئات المتضررة في البر والبحر والنهر ووضع أجهزة التحكم والمعالجة على مصادر انبعاث الملوثات الغازية والسائلة، إضافة إلى معالجة المخلفات الصناعية الصلبة وشبه الصلبة والخطرة.

وقد انتبهت الصين إلى خطورة هذا الوضع المتدهور للبيئة وعناصرها من ماءٍ وهواء وتربة ورأت بأم عينها الكوارث البيئية التي وقعت وذهب ضحيتها الآلاف من البشر، وأيقنت الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها الدولة نفسها من تدمير البيئة من الناحيتين الكمية والنوعية وأن ما حصدتها وجنتها من أموال نتيجة للنمو الاقتصادي خلال العقود الماضية ينتهي الجزء الكبير منها في الصرف على الخسائر المادية التي لحقت بمكونات البيئة والناس، وأن عليها فوراً تغيير نمط النمو الاقتصادي لكي يكون أكثر استدامة، وأقل كُلفة من خلال منع التلوث ومعالجة الملوثات من مصادرها ووضع تشريعات بيئية أشد صرامة وتنفيذها على جميع القطاعات الحكومية وغير الحكومية.

ومن أجل تنفيذ هذه السياسة الجديدة وهذا النمط من التنمية، أدخلت عاملاً جديداً عند حساب الناتج المحلي الاجمالي، وهو العامل المتعلق بتدهور البيئة ومواردها وثرواتها الطبيعية من جهة، وانعكاس هذا التدهور على صحة الناس من جهة أخرى، وأطلقت على هذا «الناتج المحلي الاجمالي البيئي أو الأخضر» ) PDG neerG(. وهذا يعني أنه بدلاً من حساب الناتج المحلي الاجمالي بالطرق التقليدية المعروفة، يتم الآن إدخال الأضرار التي لحقت بالبيئة ضمن الناتج المحلي الاجمالي من خلال تحديد قيمة مالية نقدية لكل ضررٍ وقع للبيئة وعناصرها، وذلك بهدفِ تقديم صورةٍ واقعية وحقيقة للنمو الاقتصادي الفعلي في الصين.

ولذلك على الدول التي ترغب في معرفة حقيقة نموها الاقتصادي الفعلي، أنْ تقوم بحساب التدهور الذي وقع للثروات الطبيعية من انخفاضِ كمية ونوعية الأسماك في البحار، ودفن وتدمير المناطق البحرية الحيوية، وتلويث الهواء الجوي والتربة بالمواد السامة، وتدمير مياه الشرب الجوفية، والأمراض التي أصابت الناس بسبب التلوث البيئي وتكاليف علاجهم، وفقدان الثروات والخيرات الفطرية الطبيعية، ثم خصم هذا المبلغ الإجمالي من حساب الناتج المحلي الإجمالي، وعندها ستعرف الدولة إذا ما كانت فعلاً قد ربحت مادياً من النمو الاقتصادي المزعوم أم انها في الواقع قد خسرت ولم تجن شيئاً.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة