الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٩٠ - الجمعة ٢٤ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


كيف الرد على مشروع تحويل العراق إلى قاعدة إيرانية بديلة لسوريا؟





بات أمرا مسلما به ان إيران قد خسرت سوريا، والنظام الجديد في دمشق سيكون سنيا عربيا بالتأكيد، أولويته تقويض النفوذ الشيعي في سوريا بشقيه العلوي المحلي والصفوي الايراني، وهذا كله سينعكس ايجابا على لبنان ولن يكون أمام حزب الله اللبناني بالاسم والايراني بالفعل غير التحول إلى حزب سياسي مجرد من السلاح او يتلاشى، وتعود الصيغة التاريخية التوافقية التي اختارها اللبنانيون منذ أربعينيات القرن الماضي (لا غالب ولا مغلوب) إلى الميدان السياسي بلا ثلث معطل ولا هيمنة ايرانية على القرار اللبناني.

وعندما يفرّغ الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق قدس للملف السوري، والتقارير الصحفية تؤكد انه يقيم في دمشق منذ شهور ويشترك مع نظرائه السوريين رؤساء الأجهزة الأمنية وقادة الوحدات العسكرية واغلبهم من الطائفة العلوية الشيعية كما هو معروف ومعلن، فإن ذلك يعني ان طهران مازالت تتشبث بآخر قلاعها في محاولة يائسة لتطويق الانتفاضة الشعبية السورية وتأخير تسلمها السلطة والحكم، في وقت فقدت فيه قيادة النظام الحاكم الحالي زمام المبادرة ولم تعد قادرة على الاستمرار في تصديها للتظاهرات المطالبة بالإصلاح والتغيير، على الرغم من اعتمادها أساليب البطش الدموي وهذا أكبر خطأ أقدمت عليه القيادة السورية من دون ان تتحسب لنتائجه وآثاره التي لابد أن تدفع ثمنها عاجلا أو آجلا، بعد ان فوتت فرصا كان بمقدورها توظيفها بما يوقف مسلسل الدم المتدفق يوميا في حمص وإدلب وحماة ودرعا ودير الزور وريف دمشق وباقي المدن والبلدات السورية، وأهملت أوراقا كانت في يديها للتعامل مع الأزمة بشكل سياسي من دون اللجوء إلى القمع والعنف ومواجهات السلاح.

ولأن العراق سابقا وحاليا ومستقبلا يتأثر بما حدث ويحدث في سوريا رغم ان النظام الذي قاده الرئيس الراحل حافظ الاسد على مدى قرابة أربعة عقود أسهم في توسيع الهوة بين البلدين اللذين يكمل أحدهما الآخر استراتيجيا، لخلافات حزبية ضيقة لم ينجح النظام البعثي السابق في العراق في احتوائها ووقف تداعياتها بعد ان اصطف الأسد الأب مع إيران خميني في حربها العدوانية ضد العراق طوال ثماني سنوات ومن ثم مشاركته في حرب عاصفة الصحراء الامريكية في عام ١٩٩١، وهو ما أدى إلى شرخ عميق بين البلدين سعى الرئيس الحالي بشار الأسد ؟ للأمانة - عقب احتلال العراق عام ٢٠٠٣ إلى تجسيره وتضييقه عندما فتح أبواب سوريا للعراقيين المطاردين والمطلوبين وأعداد كبيرة منهم بعثيون ومنحهم الملاذ الآمن والإقامة، ولكن الأيادي الإيرانية وضغوط مراكز القوى السورية المرتبطة بإيران لعبتا دورا كبيرا في تحييد سوريا وعزلها عن العراق العربي وخصوصا في العامين الماضيين حتى وصل الامر بالقيادة السورية الحالية إلى التطابق مع المخطط الايراني في منع السنة العرب من نيل استحقاقهم الانتخابي الذي أحرزوه في انتخابات (مارس) ٢٠١٠ وعرقلة تسلم كتلتهم (القائمة العراقية) رئاسة الحكومة، وقد اعترف الرئيس بشار في لقاء له مع قادة القائمة قبل تشكيل حكومة نوري المالكي الحالية بفترة وجيزة، بأن الإيرانيين لا يعترفون بشيعية اياد علاوي ويعتبرونه مرشح السنة العرب وبالتالي فإنهم لن يسمحوا له برئاسة الحكومة ورجلهم المالكي لا غيره ونحن مضطرون إلى السير معهم في هذا الاتجاه على الرغم من ملاحظاتنا عليه - يقصد نوري - الذي أساء إلى سوريا التي آوته واحتضنته وحمته، ونقلا عن محمد ناصيف (ابي وائل) المسؤول السوري البارز والمشرف السابق على ملفي العراق وإيران في القيادة السورية وكان هواه مع عادل عبدالمهدي في رئاسة الحكومة الحالية بدلا من المالكي، ان الإيرانيين لم يتركوا لنا خيارا غير المالكي بعد ان أقفلوا على علاوي واعترضوا على عبدالمهدي.

نسرد هذه الوقائع من الماضي القريب لايضاح الدور الايراني المخرب في سوريا وسعي طهران إلى تهميش عروبتها وفصمها عن حاضنتها العربية وإيجاد حواجز وعوائق بينها وبين العراق الذي تشكل محافظاته السنية العربية: الأنبار والموصل وصلاح الدين العمق والامتداد لها.

وواضح تماما ان الإيرانيين في هذه المرحلة قد توصلوا إلى قناعة بأن مشروعهم القديم (الهلال الشيعي) بات في حكم الميت وان خسارتهم سوريا ولبنان أصبحت مسألة وقت لا مهرب منها ولابد من مواجهتها بمشاريع جديدة تعوض تلك الخسارة الفادحة، وليس أمام إيران اليوم غير العراق وفيه حاليا مواصفات تعويضية لفقدانها سوريا ولبنان، فيه حكومة يقودها شيعة موالون لها في الوقت الذي تعاظم نفوذها خلال السنوات التسع التي أعقبت الاحتلال بعد تواطئها المكشوف مع الأمريكان، وصارت هي القوة الوحيدة اللاعبة في المشهد السياسي والأمني والطائفي والاقتصادي في العراق إضافة إلى انتشار المليشيات والأحزاب التابعة لها في كثير من المحافظات العراقية في منطقتي الجنوب والفرات الأوسط، من هنا يجب فهم وتقييم القرار الايراني الأخير بتعيين الجنرال سردار مجيدي مسؤولا متفرغا لشؤون العراق، وهو حسبما أوردت الصحف الايرانية معلومات عنه، أحد قيادات الحرس الثوري الايراني ومقرب إلى المرشد الايراني الاعلى علي خامنئي، عمل مساعدا للجنرال قاسم سليماني قائد فيلق قدس وساحة عمله العراق منذ أواسط الثمانينيات وكان له دور واضح في إشعال الاضطرابات في قاطعي (الكوت - العمارة) ابان انسحاب الجيش العراقي من الكويت في مطلع عام .١٩٩١

وبهذا الصدد فإن الاوساط الشيعية الحاكمة في العراق كانت على علم مسّبق بتعيين الجنرال مجيدي في مهمته الجديدة منذ بداية العام الحالي بدليل ان نوري المالكي رئيس الوزراء سخر خلال اجتماع للحكومة عقد في الاسبوع الاول من يناير الماضي من الانباء التي تحدثت بها القائمة العراقية عن زيارات سرية ومهمات خاصة يقوم بها الجنرال قاسم سليماني إلى بغداد، ومما قاله المالكي في ذلك الاجتماع (الجماعة - يقصد القائمة العراقية - نايمين ورجيلهم بالشمس، ما يدرون حجي قاسم اتبدل وبعد ما إله شغلة بالعراق) والمعنى واضح على الرغم من اللغة التهكمية التي تكلم بها، لذلك فان الجنرال الايراني مجيدي ستكون أمامه مهمات محددة سيشتغل عليها في العراق خلال المرحلتين الحالية والمقبلة لعل من أخطرها: حسم ملف السنة العرب في العراق والعمل على تهميشهم أكثر فأكثر ومنع اتصالهم مع أشقائهم في سوريا عند قيام نظامها الجديد، والعمل على تدجين أو احتواء القيادات الرسمية من وزراء ونواب محسوبين على السنة العرب وتصفية من يطلق عليهم بـ(المشاكسين) للمشروع الايراني والمناوئين للنفوذ الايراني في العراق، وقد بدأوا بطارق الهاشمي والبقية تأتي تباعا.

وإذا كانت إيران قد نجحت في السنوات السابقة في اغتيال ومطاردة الآلاف من الضباط والعلماء والسياسيين السنة ولاحقت رموزا وقيادات منهم ابرزهم الشيخ حارث الضاري والنائب محمد الدايني والدكتور عدنان الدليمي والشيخ عبدالناصر الجنابي وعشرات الآلاف من البعثيين والقوميين والمواطنين الآمنين بتحريض ومساندة أتباعها ومليشياتها وأحزابها في بغداد والنجف والبصرة، فإنها اليوم ستكون اكثر ضراوة في تعاطيها مع السنة العرب الذين مازالوا يرفضون تدخلاتها وزحف نفوذها نحو مناطقهم ومحافظاتهم وبالتالي فإن إيران وضمن استراتيجيتها الجديدة في تحويل العراق إلى قاعدة ايرانية تعويضا عن خسارتها المحتملة بل المؤكدة لسوريا ولبنان، فان هدفها الاول سيكون ابناء ومناطق ومحافظات السنة العرب باعتبارهم لا ينسجمون مع العقيدة المذهبية والسياسية السائدة في إيران ولديهم قناعة تكاد تكون فطرية في عدم التوافق والتعايش معها نتيجة سياساتها ومطامعها في العراق، يضاف إلى ذلك ان إيران ذاتها تحكمها عقدة طائفية إزاء السنة العرب في العراق، وتنظر اليهم على أساس انهم امتداد تاريخي واجتماعي للعباسيين في العراق، وهم أيضا بناة الدولة العراقية الحديثة التي شكلت منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي عامل توازن استراتيجي معها في المنطقة، معادل لها ورادع لأطماعها ومتفوق عليها في أغلب الأوقات.

وكما هو معروف فإن مستلزمات تحويل العراق إلى قاعدة ايرانية بدلا من سوريا تحتاج إلى مقومات ومعطيات لابد من تأمينها مترافقة مع وجود حكومة يديرها قادة الاحزاب الشيعية الخاضعة لايران، واتساع النفوذ الايراني في بعض جهات وأجزاء العراق، وابرز هذه المقومات تهيئة الساحة العراقية واخضاعها بالكامل للسيطرة الايرانية، بمعنى ان الهيمنة الايرانية لابد أن تشمل كل العراق سياسيا وعسكريا وامنيا وجغرافيا وخصوصا غربه المجاور لسوريا التي سيكون نظامها الجديد المقبل بالتأكيد على النقيض من السياسات والمشاريع الايرانية في العراق والمنطقة.

لذلك فإن السنة العرب في العراق مدعوون اليوم إلى تشكيل جبهة سياسية وطنية لا حزبية لأنهم اكبر من كل الاحزاب مجتمعة او متفرقة، ولا دينية حتى لا تفسر بأنها طائفية، تتولى تنظيم وقيادة السنة العرب بمعزل عن حكومة المالكي العميلة لايران لمواجهة الغزو الايراني المرتقب الذي بانت معالمه واضحة الآن اكثر من اي وقت مضى، وهذا يستدعي منهم وهم المستهدفون اساسا من المشروع الايراني الرامي إلى جعل العراق قاعدة ايرانية بديلة لسوريا ان يستعدوا دفاعا عن أنفسهم ومناطقهم على الاقل ويتنازل بعضهم لبعض ويطووا صفحات الماضي وخلافاته وحساسياته ويبدأوا مرحلة جادة من التعاضد والتعاون والالتحام وعدم الوقوف إزاء الصغائر من الأمور، فمصيرهم واحد لأن إيران وأجهزة مخابراتها ومؤسساتها الطائفية والأحزاب الشيعية المرتبطة بها لا تفرق بين سني عربي معارض لها، وبين سني عربي مشارك مع اتباعها فيما يسمى العملية السياسية، وما حدث للهاشمي وصالح المطلك وهما شريكان مع الشيعة في العملية السياسية والحكومة الحالية شاهد حي يجسد النظرة الدونية والمنطلقات الطائفية والعنصرية لإيران تجاه السنة العرب، بل انها تتعامل بازدراء واستخفاف حتى مع متعاونين وعملاء لها محسوبين على السنة العرب على قلتهم، أمثال المدعو خالد الملا ممثل لطيف هميم في البصرة ومحمود المشهداني رئيس مجلس النواب الاسبق وسعدون الدليمي وزير الثقافة والدفاع حاليا.

ان الجبهة المقترحة للسنة العرب يجب ان تضم في صفوفها المقاومين والمعارضين والضباط والجنود والعمال والفلاحين والحرفيين والشيوخ والعلماء والأكاديميين ورجال الاعمال والطلبة والشباب والنساء ولا عذر لمن يسمون أنفسهم المستقلين، لأن المستقل السني العربي خصوصا في هذه المرحلة يعني المنهزم والمتهرب من المسؤولية الوطنية والأخلاقية، وعلى الاحزاب والهيئات والمنظمات على تعدد انتماءاتها واهتماماتها وأهدافها السياسية ان تكون جزءا حيويا من الجبهة المرتقبة وهذا لا يعني انصهارها أو تقييدا لحركتها وانما اضافة حراك ثوري لأنشطتها وفعالياتها، لأن الجبهة المقترحة هي ائتلاف سياسي عريض يسع جميع أهل السنة من دون استثناء وخصوصا ان أولويات الجبهة محددة بالتصدي للغزو الايراني المتصاعد ومنع تحويل العراق إلى قاعدة إيرانية، كما ان إنشاء الجبهة السنية العربية في هذا الوقت من شأنه ان يساعد اخوتنا الشيعة العرب على تكوين جبهتهم المماثلة في مناطقهم ومحافظاتهم بحيث يكون عمل الجبهتين على نسق واحد وضمن منهج مشترك وصولا إلى إطار وحدوي مستقبلي يعم العراق من أعلاه إلى أدناه.

ولاحقا سيتم الحديث مفصلا عن هذا الجهد الوطني الخير بعد استكمال بعض الإجراءات والاتصالات والمشاورات الضرورية.

* كاتب وسياسي عراقي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة