الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٩٠ - الجمعة ٢٤ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قصــة قصــــــيرة

شجرة الحياة





من باب التوثيق العلمي سنتحدث عن شجرة الحياة التي لطالما أبهرت الناس على مدى سنوات طويلة، والتي تقع على خطّ الطول ٥٠,٥٨٣٣٥٨؟ وخطّ العرض ٢٥,٩٩٤٣٤٩؟ على تلّة صغيرة في منطقة حفيرة في المحافظة الجنوبيّة في مملكة البحرين.

التلّة الّتي تحت الشجرة غنيّة بآثار لحضارات متعاقبة شتّى والشجرة ذاتها يتلبّسها الغموض حول ماهيّة عمرها ومصدر مائها.

أوّل تنقيب علمي جادّ لهذه التلّة كان على يد فريق دنماركي سنة ١٩٥٣م وثاني تنقيب علمي جادّ كان على يد وزارة الثقافة سنة ٢٠١٠م وقد استغرق أربعة شهور.

في نهاية التنقيبين الأوّل والثاني قاموا بطمر الغرف الّتي وجدوها بالرمال خوفاً عليها من الانهيار وخوفاً عليها من أيدي الجهلة والعابثين فهناك من أتى بشاحنة جرّارة منذ سنوات لأخذ الرمال الخصبة المحيطة بالشجرة! (فيصل: وهناك من أتى لتقليم الشجرة بمنشار! وأثر ذلك واضح على الشجرة).

محصول التنقيب الأخير: كسور من قطع رخاميّة حادّة تستخدم للقطع، تعود إلى حضارة العصر الحجري... غرف مربّعة ومستطيلة مبنيّة من الصخور، بقايا تمور وأسماك، قنّينة زجاجيّة للشرب، أواني خزفيّة وفخاريّة للأكل، جرار فخاريّة لحفظ مادّة القطران اللزجة السوداء، أحجار شديدة الصلابة وكاملة التكوير للمدافع، خندق صخري صغير، عملات معدنيّة، تعود إلى حضارة مسلمة... أواني مكسّرة من الخزف الصيني، تعود إلى الاحتلال البرتغالي ١٥٢١م-١٦٠٢م.. (فيصل: تلّة عجيبة ومذهلة بالفعل! ولم يتسنّى لهذه الحضارات الثلاث المتعاقبة العيش من دون وجود بئر ماء هناك).

أتى فريق علماء أمريكي في السنوات الماضية لاكتشاف عمر الشجرة وثقبوا ٣٠ ثقباً بجهاز دريل طويل إلى قلب الشجرة أو لبّ الشجرة ثمّ أدخلوا جهازاً آخر لعدّ الحلقات حيث إن النظريّة المشهورة تقول بأنّ كلّ حلقة تمثّل سنة واحدة. وكانت نتيجة العلماء الأمريكان بأنّ في الشجرة ٤٢٤ حلقة أي أنّ الشجرة نبتت عام ٥٨٣م. تمّ توثيق هذه النتيجة في الصحافة وقتها ثمّ رحل الفريق الأمريكي. (فيصل: هذه الثقوب مضرّة بصحّة الشجرة فهي منافذ لدخول السوس القارض إلى الداخل وهي منافذ لتسريب الرطوبة إلى الخارج! والثقوب محشوّة بالغبار الآن... ثمّ إنّ النتيجة الّتي توصّل إليها الفريق الأمريكي بهتان عظيم لأنّ ٤٢٤ سنة لا تأخذنا إلى العام ٥٨٣م).

الثقوب

ثالثاً وأخيراً أذكر قصّة سمعتها من بعض كبار السنّ في مدينة الرفاع، أمثال: علي بن حسن الماجد النعيمي وحسن بن صيّاح العلّاق النعيمي ومحمّد بن محمّد ابن ذياب النعيمي رحمة الله عليهم جميعاً وأبناؤهم الآن خير خلف لخير سلف.

في العهد الزاهر للمرحوم بإذن الله الشيخ سلمان الكبير ١٩٤٢م-١٩٦١م، أتى ضابط إنجليزي لزيارة مقامه السامي في مجلسه وأهداه شجيرة صغيرة وقال إن هذه الشجيرة من فصيلة السَّلَم من باكستان. رحّب الشيخ سلمان الكبير بهذه الهديّة ثمّ نادى مرافقه الشخصي علي بن حسن الماجد النعيمي وقال له أن يذهب إلى مضارب قبيلته النعيمي في صحراء حفيرة ويختار أعلى تلّة هناك ويغرس فيها الشجيرة الصغيرة.

عندما وصل علي بن حسن الماجد النعيمي إلى صحراء حفيرة مشى وصعد على أعلى تلّة هناك من دون أن يعلم بالغنى التاريخي المخفي تحت قدميه ثمّ حفر بيديه الكريمتين ليغرس الشجيرة الصغيرة تنفيذاً للأمر السامي من لدن حاكم البلاد... فوجد شيئاً صلباً قد اعترض يديه فأخرج جرّة فخاريّة كبيرة من الأرض ثمّ واصل المهمّة وتأدية الأمانة.

وأدّى علي بن حسن أمانة أخرى بأن أخذ الجرّة إلى الشيخ سلمان الكبير من دون أن يطمع بما في داخلها أو يستفرد به فقد كان على خلق عظيم... قلب علي بن حسن الجرّة أمام الشيخ سلمان الكبير والضابط الإنجليزي وأخرج منها تمثالاً صغيراً وخاتماً ونقوداً معدنيّة قديمة... كانت هذه المقتنيات لا تعني العرب الأوّليّين في ذلك الوقت لكنّ الضابط الإنجليزي أراد الاحتفاظ بها».

ولا أعرف اسمه مع الأسف لكن وجب عليّ توصيل هذه القصّة كما سمعتها فالعلم المتواتر من الأجداد أمانة غالية نصونها ونحافظ عليها من التحريف والتزييف ثمّ نوصلها إلى أبنائنا ليعرفوا من هم ومن أين أتوا... وليعلم كلّ محبّي الشجرة ومرتاديها بأنّه لو لا التوفيق من الله سبحانه قبل كلّ شيء ولو لا التوجيه السامي من لدن حاكم البلاد آنذاك الشيخ سلمان الكبير لما كانت شجرة الحياة.فيصل بن سالم المنّاعي



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة