السوق القديم وتحديد الهوية
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠١٢
أحمد العبيدلي
بيان غرفة تجارة وصناعة البحرين حول أوضاع السوق القديم بالمنامة يبعث على الحزن ويستثير المواساة، ولكن في عالم التجارة والمال لا تفيد تلك المشاعر كثيراً. وهي شيكات غير قابلة للصرف. وتستوقف القارئ في البيان حول السوق مسألتان: الأولى هي مواجهة واقع الحال والثاني: تحديد هوية السوق.
أما الأولى: فالحال من حال البحرين واقتصادها وارتباطه بالحالة الأمنية والسياسية. فإن أورد بيان الغرفة أن «حجم مبيعات سوق المنامة انخفض إلى أكثر من ٨٠%، وعدد مرتاديه انخفض إلى أكثر من ٩٠% عن السابق» فهذا أمر لن يتغير كثيراً وليس بمقدور المؤسسات وجهات الاختصاص عمل الكثير، وما على أهل السوق إلا التأقلم مع تردي الأوضاع واكتشاف طريق للعيش التجاري مع متغيرات الوضع الأمني ومواصلة رفع الشكوى والتظلم مع توقع قليل من النتائج وبالذات السريعة منها.
والمسألة الثانية: هي في تحديد هوية للسوق: هل هو موقع لعرض أفضل ما في المنامة وأكثرها فخامة أم انه سيستمر كما هي الحال الآن سوقا شعبيا يقصده السياح وأهل البلد حنيناً الى الماضي وبحثاً عن عروض قليلة الكلفة، وشراء أشياء بسعر رخيص وقيمة عالية. اما أن يكون السوق موقعاً للفخامة، يضم بين جنباته ماركات عالمية فيقصده السواح فرجة على المكان ولاقتناء منتجات تلك الماركات بـأسعار غالية ولكنها فارقة عمّا يستطيعون اقتناءه في بلادهم إما لاختلاف الجمارك أو لانعدام الضرائب أو لخلطة من هذا وذاك. ولكن يصعب لسوق شعبي أن يعرض بضائع غالية وكمالية، فهذا شيء وذاك شيء والخلط بينهما لا يؤدي إلى نجاح. كما أن لهذا زبائن، ولذاك زبائن آخرين.
وسوق السلع الكمالية والفخمة هو ما يناله تأثير الأزمات كما أنه البادئ في تحسس أي ازدهار قادم. ويمكنه أن يضم أفضل ما في البحرين والخليج من سلع غالية، ويضيف إليها تنويعات جديدة، وأن يكثر من الأنشطة والاحتفالات الجاذبة للجمهور.
في غابر الأيام كان سوق المنامة يحتوي على النوعين، وكانت محلات أفضل الساعات تعرض جنباً إلى جنب مع المجوهرات والذهب ولا يبعد عنها كثيراً سوق كان يبيع الأدوات المستعملة والقديمة. ولكن ذلك عهد قد مضى، وحينها لم يكن هناك سوق غير سوق المنامة.
وعلى تجار السوق الحاليين - ولا أدري إن كان بينهم من سيتأتى له الاطلاع على هذه الكلمات - أن يشكلوا تجمعاً لهم يخطط للسوق ومستقبله وطبيعة دوره. فكثير من أسواق المدن التاريخية قد اختارت لنفسها أن تجتذب شريحة عليا من المستهلكين المحليين والسواح ونجحت في ذلك.
بقي أمر البنية التحتية، وهذا ما يمكن مخاطبة الدولة به والاستعانة بغرفة التجارة للحصول عليه. والحظوظ كثيرة في أن ينجح السعي، وينتعش السوق ببنية تحتية مناسبة، وبيان الغرفة مليء بتفاصيل خطوات البنية التحتية المرتجاة، وإن كانت تحتاج إلى الغربلة واختيار الأهم والقابل للتطبيق والمفيد عملياً للسوق.
.