الإصلاح العقاري: مفهومه
ومتطلبات نجاحه بمملكة البحرين
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢
بقلم : د. أسعد حمود السعدون *
منذ اواخر عام ٢٠٠٨حيث شهدت السوق العقارية انفجار الفقاعة العقارية والى اليوم يردد الكثير من العقاريين وسطاء ومطورين ومستثمرين مقولة ان القطاع العقاري في ازمة، وانه يعيش ركودا ظاهرا تتباين وتتداخل اسبابه، إلا ان نتائجه تكاد تكون واحدة متمثلة في ضعف الطلب على المنتجات العقارية والتراجع النسبي في اسعارها، وافتقاد الارباح الكبيرة التي كان يحققها المضاربون في القطاع العقاري ابان فترة ما قبل انفجار الفقاعة العقارية، وعليه يطالبون بالمزيد من الدعم لتحريك السوق العقارية واعادتها الى جادة النمو السريع . فهل هذا ممكن في الوقت الراهن بالآليات التقليدية المعتمدة في المرحلة الماضية ام ان الامر يتطلب آليات جديدة؟
بدءا لابد من القول ان المرحلة الراهنة تتطلب ليس تحريكا للسوق العقارية التي تعاني الركود النسبي الذي تداخلت مسبباته ما بين تداعيات الازمة المالية العالمية، واسقاطات الاحداث السياسية والامنية التي تعرضت لها البلاد منذ فبراير عام٢٠١١ ولاتزال تتفاعل بشكل او بآخر، وانما تتطلب اصلاحا عقاريا شاملا مواكبا ومتسقا مع الاصلاح الاقتصادي الذي شهدت المملكة انطلاقته منذ اكثر من عشر سنوات، وقيادة البلاد رعاها الله مصممة على مواصلة مسيرته بخطى متسارعة وبانجازات ملموسة. ونقصد بالاصلاح العقاري حزمة السياسات والقرارات والنظم الهادفة الى تعديل مسارات القطاع العقاري لتستجيب وتتفاعل مع التطورات في الاقتصاد الوطني من جانب، ولتسهم في تنمية وتفعيل قطاعات الاقتصاد الوطني الاخرى من جانب اخر أي ان يتكيف مع التغيرات والصدمات الداخلية والخارجية التي تواجه الاقتصاد الوطني، بدءا من معالجة التشوهات والاختلالات التي تعانيها السوق العقارية وتحقيق معدلات نمو مرتفعة وقابلة للاستمرارفي اطار تحقيق متطلبات التنمية العقارية المستدامة للاجيال الحالية والمستقبلية والحفاظ على البيئة. وبالتالي فأن الاصلاح العقاري ليس تطبيقا لسياسات او لخطط قطاعية منعزلة عن بقية قطاعات الاقتصاد الوطني، بقدر ما هو ايجاد حوافز واطلاق مبادرات وفتح خطوط ومنافذ جديدة للاستثمار وتحريك عناصر تنموية حيوية ذات اثر ملموس، وادارة تحولات ايجابية بالعمل المتواصل اعتمادا على مؤسسات المجتمع والافكار النابعة من استشعارها للحاجات الوطنية الملحة. الامر الذي يتطلب إعادة تنظيم لاستغلال الموارد العقارية والتمويلية المتاحة وتخصيصها بشكل اكثر كفاءة وفاعلية في اطار التفاعلات ومتطلبات التنمية الاقتصادية الشاملة وصولا إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
امام تطلبات نجاح سياسات الاصلاح العقاري في المملكة فإنها متعددة وينبغي ان تتضمن التالي :
اولا: ضرورة احداث تكامل ان لم يكن ادماجا لسياسات المكونين الرئيسين للقطاع العقاري (القطاع العقاري الاسكاني، القطاع العقاري التجاري والاستثماري) بحيث يتم اصلاح الاختلال المتمثل بارتفاع الطلب على منتجات القطاع العقاري الاسكاني لذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة، وغير المقترن بقدرة تمويلية ذاتية او مؤسسية كافية وملائمة لتلبيته، وارتفاع العرض من منتجات القطاع العقاري التجاري والاستثماري وحتى السكني الفاخر الذي خطط ونفذ ابان فترة الفورة العقارية ما قبل الازمة المالية العالمية ، وهذا يتطلب تعاونا وشراكة حقيقية وفاعلة بين الحكومة وشركات التطوير والاستثمار العقاري في البلاد ودعمها وتحفيزها لتنفيذ استثمارات في مشروعات الوحدات السكنية لمحدودي الدخل، وتلغي او تؤجل أو تحور المشروعات التي لاتزال في مرحلة التصميم والموجهة لذوى الدخول المرتفعة التي تعاني ركودا ظاهرا في الوقت الراهن. فضلا عن دعم وحفز شركات التطوير والاستثمار العقاري التي تعلن البيع المباشر للمواطنين وبالتقسيط ومن دون وساطة البنوك، وكذلك الشركات التي تقوم بالبيع بالتقسيط ولمدد طويلة بالتعاون مع شركات مالية او بنوك وباسعار فائدة تنافسية، علاوة على منح مجموعة من التسهيلات والإعفاءات الحكومية للقطاع العقاري مثلا إعفاء المواطنين الراغبين في الحصول على وحدات اسكانية بالتقسيط من رسوم التسجيل العقاري، وتشجيع المصارف على منحهم تمويلا يصل إلى ٩٠% من قيمة العين العقارية وباقساط لا تزيد على ٣٠% من الدخل الشهري للمواطن وبضمان رهن العقار ذاته وبمدد سداد طويلة الاجل (٢٠-٣٠) سنة، وتتحمل الحكومة جزءا من فوائد القروض كما هو الحال مع قروض بنك التنمية مما يشكل حافزا للمواطنين للمقارنة بين الاستئجار وشراء وحدة سكنية بالتقسيط. وهنا لابد من الإشادة بالقرار الصائب الذي اتخذه مجلس الوزراء الموقر بتاريخ ١٩/فبراير/٢٠١٢ باستحداث برنامج لدعم المواطنين المستحقين للخدمات الإسكانية لشراء الوحدات السكنية الجاهزة بحيث تقوم بمقتضاه البنوك التجارية والمطورون العقاريون بتحويل وإنشاء وحدات سكنية جاهزة، على أن تقوم الحكومة ممثلة في وزارة الإسكان بدعم كل منتفع بالفرق بين قدرة المنتفع على السداد البالغ ٢٥% من الراتب وبين القسط الفعلي الناتج عن الكلفة الفعلية خلال مدة ٣٠ سنة وفقا للأنظمة المتبعة والمعتمدة من وزارة الإسكان.
ثانيا: ضرورة إعادة هيكلة الأصول العقارية التي تأثرت بالازمة المالية العالمية وعجز مطوريها عن الاستمرار في تنفيذها لاسباب تمويلية او خوفا من تراجع الطلب على منتجاتها او لاسباب اخرى، بحيث تعالج وتسوى اوضاعها بما يسهم في حفظ الثروة العقارية الوطنية ويعيد لها دورة الحياة والحيوية ، وبما يحفز على انطلاق الاستثمار العقاري الجديد بأسس وخيارات ومجالات جديدة ولاشباع حاجات قائمة بالوقت الحاضر او ان احتمال قيامها عند اكتمال انجازها مؤكد وفقا لما تعكسه دراسات الجدوى العقارية والفنية والاقتصادية المعدة لهذا الغرض.
ثالثا: ضرورة اشاعة ثقافة عقارية جديدة تبنى على حقيقة ان الطفرة العقارية التي شهدتها المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي عموما ووصلت الى قمتها عام ٢٠٠٨ كانت غير مدروسة بشكل جيد والاسعار والعوائد العقارية التي نجمت عنها كانت مفتعلة ومبالغا فيها، وان انفجار الفقاعة وانخفاض الاسعار كان امرا متوقعا وحتميا بالازمة المالية او من دونها، وليس من المحتمل عودة تلك الظاهرة الى ما كانت عليه، وان الارباح المضاربية التي كان العقاريون يحققونها انذاك لن تعود ثانية، مما يتطلب ترشيد القرار العقاري وحوكمته بالشكل الذي يأخذ بنظر الاعتبار مجمل العوامل المؤثرة في الطلب العقاري وفي مقدمتها معدل النمو الاقتصادي واتجاهاته ، ومستوى دخل المواطنين ، وهذا يتطلب من العقاريين بمملكة البحرين المزيد من خفض الاسعار والايجارات للوحدات العقارية ولاسيما ان هناك الاف الوحدات العقارية من فلل وشقق سكنية ومكاتب في العديد من مناطق المملكة معروضة للبيع والايجار باسعار لا تنسجم مع مجمل الاوضاع العقارية الراهنة وارتباطاتها بمستوى الدخل والانفاق السكني للاسرة البحرينية ومستوى النشاط والعائد الاقتصادي المحدود الذي تحققه المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تمثل نسبة اكثر من ٩٠% من المشروعات الاقتصادية في المملكة .
رابعا:ضرورة تحقيق الشراكة والتلاحم بين القطاع العقاري والقطاعين المالي والمصرفي بما يؤدي الى إيجاد أيسر منافذ التمويل والائتمان المصرفي والمالي لشركات التطوير والاستثمار العقاري من جانب، وللمشترين المحتملين لمنتجات القطاع العقاري من جانب اخر، مع التركيز في الحلول التمويلية العقارية المتكاملة.
خامسا: التفاعل والحوار بين الاطراف الفاعلة في القطاع العقاري كجمعية المطورين العقاريين، واللجنة العقارية في غرفة تجارة وصناعة البحرين، وجمعية رجال الاعمال، وجمعية البحرين العقارية ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بالقطاع العقاري علاوة على وزارة الاسكان والمؤسسات الحكومية ذات الصلة والبنوك والمؤسسات المالية لابد ان تشيع اجواء مواتية للمزيد من الاصلاح العقاري.
سادسا: ضرورة مراجعة وتقييم واكمال وتنفيذ منظومة التشريعات والنظم ذات الصلة بالقطاع العقاري وبما يسد الثغرات والفجوات التي تعرقل الاصلاح العقاري المطلوب.
* اكاديمي وخبير اقتصادي.
.