طبيعة الوجود الأجنبي في العراق بعد
الانسحاب وأسطوانة عزف التحرير والسيادة
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢
بقلم :
د.عمر الكبيسي *
كشفت وزارة الداخلية العراقية من خلال تصريحات وكيلها الأقدم عدنان الأسدي عن وجود ٣٦ ألف متعاقد أجنبي وعراقي على أرضه عائدين لمائة وتسع شركات أجنبية تشكل جيشا جرارا يتحرك في الشارع من دون وجود ثقة مباشرة بين هذه الشركات والقوات الأمنية العراقية، وان هذا الجيش يقوم بحماية السفارات وحماية المنشآت النفطية والمسئولين العراقيين ومواكبهم.
نائب وزير الخارجية الامريكي صرح بالرغبة في أن يصبح وجود السفارة الامريكية في العراق طبيعيا، مشيرا بذلك الى حجم وجود ونفقات ومسئوليات هذه السفارة غير الطبيعية والى حقيقة وجود ما يقارب ١٦ ألف شخص متعاقد وألفي شخص بصفة دبلوماسي وهو اعتراف ضمني بوجود غير طبيعي لسفارة بهذا الحجم في العالم تحمى بهذا العدد من القوة على الأرض وبأعداد من الطائرات السمتية والمطارات فيها وطائرات استطلاع من دون طيار من الجو ووجود قنصليات وقواعد مساندة داخل وخارج السفارة.
تثير هذه الحقائق والتصريحات أسئلة عديدة، بحاجة الى إجابة من رموز السلطات التنفيذية والامنية والبرلمانية العراقية منها:
١ـ كيف يمكن أن يتحقق الأمن على أرضية توجد عليها قوات أمنية حكومية وجيش جرار مسلح مشرعن يعمل بهيمنة شركات أجنبية؟ يضاف الى ذلك وجود ميليشيات مسلحة لكتل سياسية مشاركة في العملية السياسية لا تنكر وجودها بل تبرره بمبررات منها وجود هذه القوات الأجنبية نفسها على الأرض العراقية، مع ان وزارة الداخلية تعترف بفقد ثقة متبادل بين كل هذه الأطراف المسلحة، ترى أي أمن يمكن ان تحققه هذه الوزارة؟
٢ـ إذا كانت مهمة الشركات الأمنية الأجنبية وجيشها الجرار هي حماية مؤسسات الدولة المهمة ومواكب مسئوليها، ألا يعني هذا أن الثقة بحماية قوات الأمن العراقية مفقودة من قبل قيادات الدولة؟
٣ـ هل وجود مثل هذه القوات الأجنبية بحصانة، يتناغم مع اسطوانة التحرير الكامل والانسحاب الكامل للاحتلال والسيادة المطلقة للعراق؟
٤ـ لماذا تطالب الكفاءات العراقية والشخصيات الوطنية بالعودة الى العراق الجديد ويعتبر وجودها خارج العراق تقصيرا بحق العراق، في حين ان مسئولي الدولة ورموزها مازالوا بحاجة الى حمايات اجنبية وافواج من القوات العراقية والهمرات والآليات المصفحة لحمايتهم بما يرقى إلى تسميتها المواكب؟ من سيحمي هذه الكفاءات عند عودتها ويتكفل بحمايتها بعد ان خرجت مهددة بكل وسائل العنف والتهجير القسرية؟
٥ـ المواطن البسيط يريد ان يعرف هوية وزي ومواقع انتشار ووجود وتوظيف هذه العناصر الأجنبية وقياداتها، كي يكون بمنجى من شرور فعلها وكيدها طالما انها محصنة ووزارة الداخلية لا تثق أمنيا بوجودها، أليس في وجود هذه القوات بهذه الصيغة، خطر أمني على المواطن العراقي؟
٦ـ واقع الحال والتصريحات المعلنة تشير بوضوح الى ان واجبات هذا الجيش الجرار المسلح بهيمنة أجنبية وخبرة ومهارات عسكرية وأمنية مؤكدة غير واضحة وغير شفافة، وأن تصريحات وكيل وزارة الداخلية الأقدم تنطوي على ريبة وعدم الثقة بها بما يوحي بأنها مصدر اخلال بالأمن الاجتماعي والسياسي في الساحة العراقية، ترى ماذا عن دور الأجهزة المخابراتية غير المعلنة او المكشوفة لدول أخرى عديدة ذات نفوذ سياسي وأهداف معلنة تستهدف سيادة العراق ووحدته وثرواته؟
لقد عرف العراقيون دور هذه الشركات الأمنية وقذارة أفعالها فهي التي قتلت بنيرانها وبدم بارد شبابهم في ساحة النسور وساحات اخرى، وأسست لدولة الفساد والسرقات من خلال المداهمات والاعتداءات المفتعلة، كما أسست لدعارة المنطقة الخضراء وصالوناتها، ولا شك أن بقاءها يمثل استمرار جميع هذه الظواهر الخسيسة، ناهيك عن دورها الاستخباري وافتعال الجرائم والأحداث، وافتعال الفتن والتأسيس لشبكة عراقية تجسسية للمخابرات الامريكية والبنتاجون وهو دور يتصاعد تأثيره بعد انسحاب قوات الغزاة من العراق.
وأخيرا ليس لنا سوى الدعاء بأن يحمي الله العراقيين والعراق.
* كاتب وسياسي عراقي
.