الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٠ - الاثنين ٥ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير

اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق:

لماذا أغفلت تماما أخطاء المحتجين؟





} اذا كانت «لجنة بسيوني» لتقصي الحقائق قد أشارت في تقريرها، الى توصيات واضحة بما يخص معالجة الوضع الناشئ عن ازمة فبراير - مارس، وجميعها تركزت فيما ارتأته اللجنة من (اخطاء حكومية) وبما يتناسب مع رؤية منظمات دولية مختلفة، لم يكن يهمها أصلا في التقرير الا النظر الى ما يضع الدولة البحرينية في ميزان المحاسبة والعقاب. اما ما يخص اخطاء وجرائم الطرف الآخر أي (المحتجين) وقوى الحراك الانقلابي ورغم وضوح الاشارة اليها في التقرير فانها ورغم حدوث جناياتها ومخالفاتها القانونية يتم النظر اليها، وبشكل (حقوقي وقانوني مختل) باعتبار انها مجرد حريات وتعبير عن الرأي، رغم ان المتضرر منها هم مواطنون مدنيون عاديون ومقيمون وبقطاعات واسعة جدا، فاننا وحسب وجهة نظرنا ونظر آخرين نرى ان الدولة البحرينية نفسها قد انساقت أولا خلف مثل ذينك (الاجتزاء المجحف والانتقائية المخلة) في النظر الى الاخطاء والجنايات وبمنظار تلك المنظمات الدولية والضغوط الخارجية، التي لم تر الا أخطاء الحكومة وحدها، وتمت صياغة التوصيات لمعالجتها وحدها فقط، فيما أهملت المخالفات القانونية والجنايات والجرائم، التي قام بها الطرف الآخر (المحتج) وبناء على خلل واضح في الخلط بين ما هو سياسي وما هو جنائي وقانوني، وبين ما هو حرية وما هو جريمة، وكنا نعتقد انه من مهام (اللجنة الوطنية) وصلب عملها، وقبل الانتهاء من كتابة تقريرها النهائي (٢٠ مارس) بعد التمديد، هو وضع «رؤية متكاملة» لما انتجته الأزمة، في فبراير قبل الماضي من اختلالات على المستويات الاجتماعية والسياسية والوطنية والاقتصادية كافة، التي تسبب بها المحتجون الذين احتكر قادتهم صفة المعارضة من دون وجه حق.

} إن الملاحظات الكثيرة التي حفل بها «تقرير بسيوني»، بما يخص جرائم وأداء الحراك الاحتجاجي، لم تجد لها للغرابة مكانا، أو أي نوع من الاهتمام لدى أعمال اللجنة الوطنية، رغم انها أخذت البلاد الى مسارات تأزيمية وكارثية مختلفة، وشروخ طائفية وممارسات لا انسانية، تضرر منها قطاع كبير من هذا الشعب، ولايزال هذا القطاع الكبير بانتظار المحاسبة الشفيفة بعد التشخيص الدقيق، ضد القوى السياسية التي قادت تلك الممارسات وعلى رأسها جمعية «الوفاق»، والجمعيات الأخرى المتحالفة، فان لم تقم اللجنة الوطنية بوضع تلك الرؤية فمن الذي سيقوم بها؟

} وبالعودة الى تقرير لجنة بسيوني الذي هو بحاجة الى متابعة مختلفة من اللجنة الوطنية، بما يخص الكثير من الممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية، التي قام بها المحتجون وقياداتهم، فان اللجنة الوطنية مطالبة بوضع تقريرها النهائي، حسب رؤية شمولية لما جاء في تقرير تقصي الحقائق، ومراجعة كل الملاحظات الهامة التي تم ذكرها بما يخص سواء «تواطؤ» مجموعة من الكادر الطبي بمستشفى السلمانية، وتسييس وطأفنة المهنة الطبية السامية، واقامة المسيرات غير القانونية، أو بما يخص الكثير من المخالفات القانونية بل الجنايات التي تم ذكرها (بدءا من الفقرة ٧٣٣ وصولا الى الفقرة ٧٥٠)، الى جانب أداء النقابيين والمعلمين والموظفين وغيرهم، حتى لا يتم الاكتفاء باعادتهم الى وظائفهم كأنها مكافأة لجرائمهم.

} وتقرير بسيوني شمل ملاحظات اخرى مهمة جدا أيضا بما يخص استهداف الآسيويين وأهل السنة استهدافا جسديا مباشرا أدى الى التراوح بين الاصابات البليغة والتسبب في القتل، الى جانب استهداف الممتلكات والمعابد أو المساجد والمدارس والجامعات والتهديد بالتصفية (الفقرات ما بين ١٥١٥ الى ١٥٢٧).

مثلما تسببت قوى الحراك الاحتجاجي في شق الصف الوطني وتمزيق النسيج الاجتماعي، واحداث مواجهات طائفية كادت ان تتسبب في كارثة وطنية حقيقية (الفقرات من ١٥٢٩ الى ١٥٥٤).

} إن ذلك وغيره كثير مما هو مذكور بوضوح في تقرير بسيوني، وحيث إن المجتمع البحريني لم ينته من توابع وتداعيات ما قامت به تلك (القوى التخريبية) التي لاتزال تصنف نفسها جزافا تحت اسم (المعارضة الوطنية) نجد أنه من المهم ان تضع «اللجنة الوطنية» رؤيتها الموضوعية حول ما سببته تلك القوى من تمزيق اللحمة الوطنية، وخاصة مع استمرار «الوفاق» وبقية الجمعيات المتحالفة، ووفق المرجعية الدينية التحريضية من الداخل والخارج، نقول استمرار تلك القوى في تأزيم المشهد البحريني حتى اللحظة، وجره الى أزمات جديدة، عبر الاستقواء بالخارج وبالمنظمات الدولية المسيسة وذات الدور المشبوه.

وهذا يستوجب من (اللجنة الوطنية) ان تسجل موقفا وطنيا واضحا بخصوص كل ذلك، وموقفا بمثابة شهادة للتاريخ أيضا.

وما لم يتم دفع تلك القوى التأزيمية الى تحمل مسئولياتها الوطنية والاجتماعية والسياسية كاملة، بالنظر الى ما ورد حول مخالفاتها وجرائمها في لجنة تقصي الحقائق، فان تلك القوى ستستمر في اختلاق المشاكل والازمات، وحرية الحركة في جر هذا الوطن المشترك الى مآزق اخرى، وحيث ليس كل مرة تسلم الجرة.

} إننا في هذا المقال نهيب باللجنة الوطنية أن تطرح في تقريرها النهائي المزمع تقديمه الى جلالة الملك في ٢٠ مارس، الصورة الكاملة والشمولية لأحداث البحرين والجهات المخطئة فيها والأخرى المسيئة والمرتكبة لكل السلوكات اللاوطنية، بحجة التعبير عن الرأي، والشعار الكاذب المرفوع حول السلمية، وليس الاكتفاء بتقصي اخطاء الحكومة وحدها التي تقبلت بصدر رحب تحمل مسئوليتها في معالجة تلك الاخطاء.

وحتى تكتمل الصورة فان الدور اليوم منوط أيضا باللجنة الوطنية للتعبير عن الرأي الشعبي العام، الذي يدعو الى وضع تقرير نهائي مستند بالأساس اصلا إلى تقرير بسيوني نفسه، لكي تتحمل قوى التأزيم في المجتمع البحريني مسئوليتها كاملة بقدر ما تطالب بتحمل الحكومة مسئوليتها، وان تدرك ان مقابل كل حق هناك واجب وطني، أخلت به تماما، ولكي يكون التقرير النهائي للجنة متمتعا بالمصداقية والشفافية والنزاهة في الاشارة الى كل من اخطأ من دون استثناء، وان يتم بعدها وضع الصورة لما يجب ان تكون عليه المعارضة الوطنية الحقيقية، في حفظ ثوابت هذا الوطن ومكتسباته الشعبية وانجازاته الكثيرة، وحتى لا يتصور المخطئ انه حر في ارتكاب الأخطاء والاساءات وتهديد الثوابت الوطنية والشعبية من خلال الخروج عن التوافق الوطني.

ولعل في الخلاصة السابقة محاولة للتعبير عن رؤية المتضررين من قوى التأزيم ومحاولة لرد بعض الاعتبار لهم، وهم قطاعات واسعة من هذا الشعب تضررت اثناء الأحداث حتى اليوم من الممارسات اللامسئولة من قوى التخريب والعنف والارهاب.

ولنا حديث آخر بعد خروج التقرير النهائي للجنة الوطنية، وان كان قد رصد الأخطاء كلها بشفافية أم لا؟ وان كان قد تمكن من تقديم رؤية وطنية ناجحة للخروج من دوامة اخطاء قوى التأزيم التي بحاجة الى وقفة شعبية صلبة لمواجهتها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة